حكومة جديدة ..و تحديات مكدسة

الجزائر /يونس شرقي

أعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية في بيان لها يوم 24 مايو2017، عن تكليف حكومة جديدة إثر الانتخابات التشريعية المقامة يوم 4 ماي2017 الفائز فيها حزبا الموالاة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وقد عُين على رأس هذه الحكومة في منصب الوزير الأولعبد المجيد تبون، الذي شغل خطة وزير السكن و العمران ومكلف نيابة بتسيير وزارة التجارة استخلافا للوزير المتوفى بختي بلعايب، هذا التعيين كان نهاية لمهمة عبد المالك سلال الذي تقلد منصب الوزارة الأولى خلال(23سبتمبر2012/ 24ماي2017)، هذا وكان تعيين عبد المجيد تبون كوزير أول مفاجأة للرأي العام و السياسي بالجزائر على اعتبار أن الوزير المنهية مهامه عبد المالك سلال كان قد باشر مشاورات مع الأحزاب من اجل تشكيل حكومة جديدة يكون هو على رأسها، و هو ما طرح عدة تساؤلات حول السبب الرئيس للتخلي عن خدمات سلال في الوزارة الأولى، و عن خلفيات اختيار عبد المجيد تبون لها، و المطلوب منه في المرحلة القادمة، كما تم طرح تساؤلات حول تركيبة الحكومة والمغزى من التعيينات التي قام بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة؟

  عبد المالك سلال يفتح مشاورات لتشكيل حكومة و تبون وزيرا أولا

كان الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال قد أطلق مباشرة بعد نهاية الانتخابات التشريعية مشاورات لتشكيل حكومة حزبية، تميزت هذه المشاورات ببرودة و عدم تفاعل من الأحزاب التي دعاها سلال، بدءً بحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده الوزير الأول السابق أحمد أويحيى و الذي شغل مؤخرا خطة مدير ديوان رئيس الجمهورية حيث رفض أويحي هذه المشاورات على اعتبار ان الرئيس بوتفليقة لم يكلف سلال أساسا لتشكيل الحكومة، في حين كان تفاعل حزب جبهة التحرير الوطني طبيعيا على أساس أن سلال منتمٍ للحزب والرئيس بوتفليقة رئيسا للحزب لذافالموقف لم يكن محسوما داخل الأمانة العامة للحزب، المشاورات التي أطلقها سلال استهدفت حتى أحزاب المعارضة البرلمانية و على رأسها حزب حركة مجتمع السلم التي شاركت سابقا ضمن التحالف الرئاسي مع حزبي جبهة التحرير الوطني و التجمع الوطني الديمقراطي في رئاسيات 2004 و 2009، ثم اختارت الخروج نحو المعارضة منذ أحداث الربيع العربي، إذ اختارت حركة مجتمع السلم نهج المعارضة و تغيير موقفها من السلطة الحاكمة نحو المعارضة، ورفضت المشاركة بوزراء في حكومة عبد المالك سلال بعد تشريعيات 2012 ما تسبب في انشقاق القيادي و الوزير عمار غول عن الحزب و تأسيسه حزب تجمع امل الجزائر الذي اختار نهج الموالاة للسلطة الحاكمة، و هو ما تكرر بعد تشريعيات 4 ماي 2017 حيث رفضت قيادة الحزب المشاركة في الحكومة مجددا.

لنخرج بالتساؤل الذي شغل الرأي العام من الذي كلف سلال بإطلاق مشاورات تشكيل الحكومة، ومن الذي أعفاه بعد ذلك و كلف عبد المجيد تبون كوزير أول؟

  كيف تتشكل الحكومة؟ و كيف يعين الوزراء و تنهى مهامهم ؟

تعد طريقة تشكيل الحكومة في النظام الجزائري، من أعقد المسائل التي لا يمكن لجميع الباحثين استشرافها، ذلك أن النظام المعمول به هو النظام الرئاسي، و التمثيل البرلماني لا يمكنه فرض حجمه و انعكاسه على ملامح الحكومة، لأن الدستور الجزائري يمنح صلاحية تشكيل الحكومة لرئيس الجمهورية بعد استشارة الوزير الأول الذي عينه بنفسه، الحكومات المتعاقبة كان رئيس الجمهورية هو الذي يشكلها، والإعلان عنها من صلاحيات رئاسة الجمهورية وحدها، و ذلك اعتمادا على المادة 93 من الدستور الجزائري لعام 2016 و التي تقول صراحة "المادة 93 :4 يعين رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول. ينسق الوزير الأول عمل الحكومة. تعد الحكومة مخطط عملها وتعرضه فيمجلس الوزراء."

و هو ما يعيد السؤال: أي دور للبرلمان في الجزائر تجاه الحكومة و عملها؟ و هل من صلاحياته محاسبة هيئة لم يكن هو مصدرها؟

لعل المفارقة الكبرى في منظومة الحكم الجزائرية هي التداخل الواضح بين صلاحيات السلطتين التنفيذية و التشريعية و غلبة الأولى على الثانية في جميع الأحول، نظرا لتلك الصلاحيات الهائلة التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية و للسلطة التنفيذية التي يعينها بنفسه، و هو ما يحرم الهيئة البرلمانية من مراقبة عمل الحكومة ولا يمتلك صلاحية عزلها أو تزكيتها، أو مراقبة حساباتها و التدقيق فيها، مع العلم أن المادة 98 من الدستور توجب على الحكومة تقديم بيان السياسة العام في النص التالي "المادة 98يجب على الحكومة أن تقدم سنويا إلى المجلس الشّعبيّ الوطنيّ بيانا عن السّياسة العامّة. تعقُب بيان السّياسة العامّة مناقشة عمل الحكومة. يمكن أن تُختتَم هذه المناقشة بلائحة."

تتبعه إمكانية تقديم ملتمس رقابة للغرفة السفلى للبرلمان تعرض فيه بيان السياسة العامة للتصويت على الثقة ،و الذي لا يلزم صراحة الحكومة بتقديم استقالتها، لأن رئيس الجمهورية يحوز صلاحية إحالة الآمر على الغرفة العليا للبرلمان و هي مجلس الأمة الذي يحوز فيه الرئيس على تمثيل الثلث المعطل المعين من طرفه.

هذا ويرى المتابعون لمسألة تشكيل الحكومة الأخيرة، و التي عرفت التخلي عن خدمات الوزير الأول عبد المالك سلال، أن السبب الرئيس في هذا الموقف من رئيس الجمهورية هو الرغبة في مسايرة المرحلة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الجزائر و التي تتطلب كثيرا من الحزم في الموازنة العامة للدولة و مزاوجتها بسياسة اقتصادية اجتماعية في الحد المسموح و هو ما عجز عنه عبد المالك سلال، و جعل الرئيس بوتفليقة للاعتماد على وزير السكن و العمران عبد المجيد تبون الذي تكفل بتسيير أهم ملف يواجه الدولة وهو ملف السكن الذي عرف إعادة إطلاق مشاريع مئات الألاف من الوحدات السكنية المجمدة منذ عامي 2001و 2002 و فتح مشاريع اسكان جديدة لفائدة المواطن الجزائري

   تغيير كلي في وزارات القطاع الاقتصادي 

لجأ الرئيس بوتفليقة لتغيير كلي في القطاع الاقتصادي، حيث مس التغيير وزير الطاقة نور الدين بوطرفة الذي واجهته مهمة المفاوضات داخل منظمة الأوبيك من أجل خفض الإنتاج و حماية أسعار النفط من الانهيار المتسارع الذي سبب أزمة للدول المعتمدة على الريع النفطي، والتي تعد الجزائر من أهمها، و لم يتمكن بوطرفة من إحداث الطفرة النفطية داخل الأوبيك بإستغلال دور الجزائر فيها، و هو ما جعل الرئيس إلى استبداله بمصطفى قيطوني المدير السابق لشركة الغاز و الكهرباء الحكومية كمحاولة لتجديد النفس للدفع بدور الجزائر في فضاءات الدول المنتجة للنفط، كما تم التخلي عن وزير المالية حاجي بابا عمي الذي خطط لقانون المالية 2017 ، معتمدا على موارد عامة أغلبها من المحروقات، و الذي حدد فيه السعر المرجعي لبرميل النفط بـ 50 دولارا أمريكيا، فسرعان ما بدأت أسعار النفط تتهاوى من جديد تحت السعر المرجعي المحدد، مما سبب عجزا في الموازنة العامة للدولة، و تم استبدال حاجي بابا عمي بوزير جديد و هو عبد الرحمان راوية لتكون مهمة الإعداد لقانون المالية 2018 على رأس اولوياته و تجنب الوقوع في العجز السابق الذي وقعت فيه الموازنة العامة ، وزير الصناعة و المناجم عبد السلام بوشوارب تم التخلي عن خدماته كذلك لعدم تحقيقه الطفرة المرجوة من القطاع و الرامية للتحرر من التبعية النفطية، حيث عرف قطاع الصناعة جملة من الفضائح أهمها اكتشاف مشاريع وهمية لتصنيع السيارات بالجزائر حيث كان المطلوب هو التركيب الكلي للسيارات داخل الجزائر، فاتضح الامر أنه عملية استيراد عادية لسيارات مكتملة التصنيع، وزير الفلاحة و التنمية الريفية و الصيد البحري عبد السلام شلغوم غادر الحكومة بعد عجز القطاع الفلاحي عن تحقيق الأمن الغذائي المطلوب بإلحاح في ظل نضوب الموارد المالية للاستيراد، و فشل القطاع مرده حالة الجفاف السائدة منذ سنتين بالجزائر، و فشل مشاريع الدعم الفلاحي الموجهة سابقا للفلاحين الجدد و البسطاء، و عوضه الرئيس بوتفليقة بعبد القادر بوعزقي لتدارك الإختلالات التي يعيشها القطاع الفلاحي، وزارة التجارة التي كانت تسير بالنيابة من طرف الوزير الأول الحالي و وزير السكن السابق عبد المجيد تبون بعد وفاة الوزير السابق بختي بلعايب الذي شرع في جملة من الإصلاحات التجارية بخصوص رخص الاستيراد، و التحكم في العملية التجارية الخارجية و الداخلية لكن المشروع توقف بوفاته و هو ما ينتظر الوزير الجديد المكلف بالتجارة أحمد ساسي

   الدبلوماسية الجزائرية و التحديات 

عرف هذا التعديل الحكومي تغييرا جذريا على مستوى الدبلوماسية الجزائرية، حيث تم توحيد وزارة الخارجية من جديد بعد ان تم تقسيمها على وزارة الخارجية والتعاون الدولي مكلفا بها رمطان لعمامرة و وزارة الشؤون المغاربية و الإفريقية و الجامعة العربية مكلفا بها عبد القادر مساهل، و لعل الملفات الإقليمية كانت أهم شاغل للدبلوماسية الجزائرية، فالملف السوري و الليبي و الإرهاب في منطقة الساحل هي أهم مواضيع اهتمامها، تم تكليف عبد القادر مساهل بهذه الملفات و إلغاء وزارة التعاون الدولي ، ليتولى مساهل وزارة الخارجية بكل ملفاتها، لدفع دور الجزائر في تفعيل الحوار الليبي، و تعزيز دورها في مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل، و المساهمة في الدعوة للحل السلمي السياسي للأزمة السورية.

حوصلة ما تقدم فإن الحكومة الجزائرية ستواجه مهام اقتصادية بدرجة أولى و هو ما يتطلب منها فهما عميقا للتحديات المقبلة، خاصة مع تواصل الأزمة النفطية و انهيار الأسعار في السوق الدولية، كما تواجهها مهام اجتماعية تجعلها في مواجهة مع المواطن الجزائرية الذي عرف حالة ضعف في قدرته الشرائية، و البحث عن سبل جديدة لتجنب تأزيم الوضع أكثر من الوضع الذي نتج عن سياسيات قانوني المالية لسنتي 2016 و 2017.

من نفس القسم - إقتصـاد -