أنس تينا وديزاد جوكر وما بينهما

الجزائر / آمال علي الهادفي

قبل بضعة أشهر، حين نشر شمس الدين العمراني بودكاست "مانسوطيش" ولامس من خلاله دواخل الجزائريين مبررا عزلتهم أو اعتزالهم السياسة وقذارتها، جندت بعض وسائل الإعلام ترسانتها لمجابهة الصوت الآتي من عمق الجزائري "المحقور"، فاتهمته أولا بسرقة الفكرة والأسلوب من فيديوهات الإلهام الأمريكية، ثم ركزت ثانيا على مسألة العوائد المادية التي يجنيها هكاذا بودكاستر من هكذا بودكاست بفضل كذا عدد من الإعجابات وكأن الأمر اكتشاف، ووكأن جيل الأنترنت من الجزائريين الذين يديرون مشاريع تعدين البيتكوين اليوم تخفى عليه كيفيات وأساليب الجني من الشبكة. ذات القصة تتكرر مع البودكاستر الآخر أنس تينا الذي يبدو وأنه "راهو زعفان" بسبب ردود الفعل التي حصدها بودكاست "راني زعفان" غير المنتظرة. بعض وسائل الإعلام لم تستطع استصاغة ما يحققه التيار الجديد من نجاح، كما لم تستصغ قربه من الجزائري أكثر منها، فراحت تسعى لتكسيره بأي ثمن. الحجة على أنس تينا هذه المرة تكمن في اتهامه باستغلال شخصية وقصة "فارس"، المجنون صاحب العبارة الشهيرة "ياجان راك زعفان" التي أكسبته ود أبناء الأحياء الشعبية للعاصمة، ليصور لنا الإعلام هذه المرة أن أنس تينا مجرد استغلالي متسلق، يسعى إلى الثروة على حساب مجنون، وأن أرباحه المتوقعة يجب أن يتقاسمها معه. الحجة الثانية أو بالأحرى الضريبة التي يدفعها "تينا" نتيجة "زعافه" تكمن في سقوط نظيره شمس الدين العمراني بعد فترة قصيرة من نجاحه، حين قرر أن يغامر بكاميرا خفية جعلته يتحول من بطل إلى ممثل سخيف، وحين نسي أن ذات الوسائط التي صنعته بإمكانها أن تنشر أسرار حفل زفافه وتحطمه، سقوط "ديزاد جوكر" جعله وأنس تينا يقبعان في ذات السلة، فإن خان فقد خان أخ له من قبله. حجتان وبعض التحريض من بعض الجهات الخفية أغراضها جعلت الشارع الجريح لا يتجاوب مثلما كان منتظرا مع "تينا" رغم أنه عبر عن جرحه وأسمع صوته، بل على العكس من ذلك راح يهاجمه ويتهمه بالمتاجرة في همومه والبحث عن تجميع الثروة عبر آلامه، بل وبالعمالة "للدولة". إني هنا لست بصدد الدفاع عن أنس تينا الذي اعترف له بنجاح طرحه وبراعته أدائه مثلما أعيب عليه وضع نفسه في موضع مقارنة لم يكن من الضروري له التموقع ضمنها، فبدا بسببها متجاوزا غير قادر على تحقيق السبق، إنما أنا هنا لأندد بكل الذين يريدون كتم صوته أو صوت "جوكر" أو "زروطة" أو غيرهم مستقبلا، فهؤلاء على الأقل يضمنون لنا إعادة إنتاج لواقعنا الاجتماعي، الواقع الذي تبتعد عنه وسائل الإعلام المتواجدة مهما حاولت الاقتراب... إن هؤلاء الشباب وإن كانوا يمثلون علينا فإنهم يعطوننا مجالا للتنفيس والتطهير والتخلص من الكبت الذي يخنق أنفاسنا، ويخلصنا من دوامة الصمت التي نعيش فيها رهاب رفع الصوت...أما من يستغلون شبكات التواصل لحشد الانقلاب فسأكتفي بما قال فيهم إمبرتو إيكو " أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا؛ أما الآن فلهم الحق في الكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل، إنه غزو البلهاء".

من نفس القسم - صحة وعلوم -