مساعي جديدة لاسترجاع المدفع الأسطورة "بابا مرزوق" من فرنسا

الجزائر/ إسلام.ب

تعالت أصوات جزائرية مطالبة باسترجاع المدفع الأسطورة "بابا مرزوق" الذي صادرته فرنسا سنة 1830 مباشرة بعد احتلالها للجزائر، حيث لا تزال البحرية الفرنسية ترفض إعادته الى أصحابه باستمرار خوفا من أن ينكشف عار الفرنسيين الذي تسبب فيه هذا المدفع العملاق. فكم من فرنسي وضع في فوهته وأطلق كقذيفة إلى البحر وكم من مفخرة حققها للأسطول الجزائري على مدار سنوات طويلة. ويعتبر المدفع من صنع الجزائر ابان العهد العثماني، وهو أضخم وأخطر مدفع في العالم أطلقت عليه تسمية "بابا مرزوق"، حيث أرعب الأعداء ودافع عن الجزائر قبل قرنين من الآن. وتعود قصة المدفع، الى حقبة تاريخية ميزتها محاولات الدولة العثمانية حماية مدينة الجزائر من خطر اعتداءات الصليبيين المفاجئة، بعد تمكن "عروج بربروس" من طرد الاسبان سنة 1529، حيث قام "حسن باشا" بتنفيذ مخطط عسكري دقيق لحمياتها يشتمل على العديد من الإنجازات منها بناء الحصون والقلاع في زوايا الجزائر العاصمة، ولعل أهمها إشرافه على صناعة مدفع عملاق تحول بمرور الوقت إلى أسطورة، نظرا للوظائف العسكرية الكثيرة التي برهن فيها على قوته. هذا المدفع العملاق المسمى "بابا مرزوق" يبلغ طوله 07 أمتار وبإمكانه إيصال قذيفته إلى حوالي 4872م، أي حوالي 05 كيلومتر، ويشرف عليه أربعة من رجال المدفعية الأقوياء. وعلى مدار سنين طويلة استخدم في عدة معارك ضارية واجهت فيها الجزائر أعداءها المتربصين. ولعل أهمها المعارك التي دافع فيها الجزائريون عن بلادهم خلال حملة لويس الرابع عشر تحت قيادة الأميرال أبراهام دوكيسن سنة 1671، وكذلك حملة الأميرال إيستري سنة 1688. وتجدر الإشارة الى أن المدفع الذي يعد فخر الصناعة الحربية الجزائرية يحمي خليج الجزائر لغاية الرايس حميدو حاليا (بوانت بيسكاد). ويروي بعض المؤرخين أن أحد دايات الجزائر الذين جاؤوا بعد وفاة حسن باشا غضب من القنصل الفرنسي وهو" الأب فاشر" سفير الملك لويس الرابع عشر بالجزائر الذي ساعد بتقاريره الاستخبارية الاميرال ابراهام دوكاسن في حملته الفاشلة لغزو الجزائر فوضعه أمام فوهة مدفع بابا مرزوق وقصف به السفينة التي تقل قائد الحملة، ومن هنا أصبح الفرنسيون يسمون مدفع بابا مرزوق "لاكونسيلار". يحتفظ الفرنسيون بـ "بابا مرزوق" المدفع العملاق النادر، لأنه لو أعيد إلى الجزائر فسيجلب فضول الباحثين الذين سيكتبون قصصا حقيقية عن ذكريات سيئة سببها لهم "بابا مرزوق". فاستيلاؤهم عليه كان بمثابة انتصار نفسي ومحاولة محو عار التصق بهم. في الربع الأخير من القرن السابع عشر هاجم الأميرال الفرنسي فرانسوا دوكان مدينة الجزائر دون جدوى، وبعد عدة محاولات في سنوات متتالية عاد إلى الانتقام بأسطول كبير فدمر جزءا من المدينة، وعندما فشل حاكم الجزائر العثماني في إقناع الأميرال بوقف العدوان أحضر أعضاء السلك الدبلوماسي الفرنسي في الجزائر حينها وعددهم 13 وقذفهم من فوهة المدفع بابا مرزوق الواحد تلو الآخر، وتكررت مأساة الدبلوماسيين الفرنسيين مع هذا المدفع الذي أطلقوا عليه اسم "القنصلي" ربما انطلاقا من تلك الذكريات السيئة. وعام 1688 ذهب الماريشال الفرنسي "ديستري" إلى الجزائر انتقاما لذكرى الدبلوماسيين، وقيل بأنه تمكن من تدمير جزء معتبر من المدينة بمدافعه، ولما عجز حاكم الجزائر مرة أخرى عن وقف العدوان أعاد حكاية الدبلوماسيين فوضع 40 فرنسياً من بينهم قنصل فرنسا "الأب فاشر" الذي تحدثنا عنه سابقا. ومن ساعتها دخل هذا المدفع الذاكرة الفرنسية السوداء. وبعد حادثة المروحة الشهيرة سنة 1827 وتحديدا في ماي 1830 جهز "شارل العاشر" أسطولا مشكلا من 675 باخرة حربية على متنها 37000 عسكري وشن حملة عسكرية على الجزائر سماها بالعقابية، حيث نزل الغزاة بساحل سيدي فرج وتمكنوا من احتلال مدينة الجزائر بعد فترة طويلة من المقاومة. وبهمجية حاقدة قام المحتل بمصادرة أملاك الجزائريين وكان من بينها المدفع الأسطورة "بابا مرزوق" الذي قام الأميرال فيكتور غي دوبيري بنقله خلال شهر أوت من نفس السنة إلى فرنسا وقدمه هدية لوزير البحرية الذي أهداه بدوره إلى الملك كرمز للنصر. وأمر هذا الأخير بوضعه كنصب تذكاري في إحدى ساحات مدينة "بيرست"، وثبت على فوهته تمثال الديك الذي يرمز للقوة الفرنسية وبقي على هاته الحال إلى وقتنا الحاضر بالرغم من مطالبة الدولة الجزائرية باسترجاعه مرارا باعتباره رمزا من رموز تاريخنا المجيد.

من نفس القسم - صحة وعلوم -