الزوايا والسياسة في الجزائر.. هذه هي "حقيقة التزاوج"

بقلم: عمر بن عيشة باحث في المقدس الشعبي والأنساب
عرفت الزوايا والطرق الصوفية الجزائرية بعد الإعلان عن الاستقلال وتولي المرحوم أحمد بن بلة (1916-2012) الرئاسة والحكم التهميش التدريجي لمشايخ الزوايا الذين كان أكثرهم أعضاء في صفوف جيش وجبهة التحرير الوطني بسبب مواقف بعضهم من التوجه السياسي والنهج الاشتراكي الذي عارضه مشايخ الزوايا الثورية فالتهموا بتمجيد الليبرالية فكانت بداية القطيعة بمصادرة الممتلكات وهدم المقرات وتحويل بعضها إلى ملحقات لنوع من التعليم الجديد الموازي للتعليم العصري العام عرفت مؤسساته " بالمعاهد الإسلامية" تجمع مناهجه بين التعليم التقليدي والعصري والذي تعود فكرته إلى المرحومين الصديقين الرئيس هواري بومدين (1932م - 1978) والوزير المفكر مولود قاسم ( 1927 م 1992) (وفيه من ينسبه الي المرحوم الوزير احمد توفيق المدني).
ذلك التعليم الأصلي الذي تم إلغاؤه عام 1977 بسبب الجدل الكبير الذي أثير إثناء مناقشة وإثراء الميثاق الوطني 1976 وكذاعلى تحليل ودراسة اعدتها لجنة صلحاء الوطن تفيد بأن متوسطات وثانويات معاهد التعليم الأصلي الذي يبلغ عدد طلابه (45ألف)قد أصبحت فرعا للتيار الخوانجي المدمر الوافد .
وبذلك "يجب إلغاؤه في أسرع الآجال " وكذلك لخلاف أيديولوجي ومذهبي بين المرحوم المفكر مولود قاسم وزير التعليم الأصلي والمرحوم المفكر الاجتماعي مصطفى الاشرف ( 1917 م 2000) وزير التربية الوطنية حول التباين العقائدي الإسلامي واللائكي العلماني . دفع ببعض أبناء مشايخ الزوايا والطرق الصوفية للتحرك والظهور من جديد ليس بغرض الدفاع عن الفكر الصوفي ومعارضة النهج الاشتراكي .
وإنما عدم القبول بطريقة التسيير ذات النتائج الوخيمة على الشعب والوطن .خاصة الثورات الثلاث ( الثورة الزراعية – الثقافية - الصناعية) الأمر الذي دفع بالمرحوم الرئيس هواري بومدين (1932 م 1978)والذي يعرف جيدا دور الزوايا في المجتمع، لكونه درس في الزاوية الرحمانية الحملاوية(بواد سقين- تلاغمة) أن يتدخل ويقول في إحدى خطبه الشهيرة " أتركوا الزوايا لي، أنا أعرف كيف سأتعامل معها " فكانت أول خطوة منه رحمة الله عليه مواصلة غلق مقرات الزوايا التعليمية (المعهد القاسمي بالهامل 1973م )نفي وسجن وتهديد بعض مشايخ الطرق الصوفية العلمية الفاعلة ( الشيخ المهدي بن تونس العلوي 1928 م 1975 )–(الشيخ محمد بلقايد الهبري1911م1998) وتحويل البعض إلى العمل بالمعاهد الإسلامية والإدارة المركزية لوزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية (الشيخ خليل بن مصطفى القاسمي الرحماني 1927 م 1994) وبذلك انحصر نشاط الزوايا والطرق الصوفية الرئيسية ( العلوية – الرحمانية – القادرية – الهبرية - العيساوية) في إحياء الشعائر الدينية كالأعياد والمواسم وإصلاح ذات البين للبعض من المريدين والأتباع طيلة السنوات (1962 م 1979) ذلك الاقصاء السياسي الذي أبعد مشايخ الزوايا والطرق الصوفية من المشاركة او المساهمة بالراي في قرارات دوائر السلطة ومؤسسات الدولة .
بترك المجال الديني مفتوحا أمام التيارات والأيديولوجيات والمذاهب المشرقية والاستشراقية الوافدة ساعد .على ظهور الحركات الدينية المتطرفة كالاخوانجيةوالصحوانجيةوالأصولونجية، الذي احدث نشاطهم شرخا واسعا في الفكر السياسي والايديولوجي داخل المجتمع .خاصة مع مجىء المرحوم الرئيس الشاذلي بن جديد ( 1929 م 2012)الذي دام حكمه من ( 1979 م 1992) .تلك المرحلة التي ساعدت على ظهور مشايخ الزوايا والطرق الصوفة من جديد للقيام بدورهم السلوكي والتربوي الروحي والأخلاقي والعمل على جمع أهل العلم والفضل والصلاح وبعث سبل الخيرات ذلك النشاط الكبير الذي حمل ريادته مشايخ الطريقة القادرية للشيخ بلحول- واد الخير- مستغانم، والتي يربطها حبل قرابية روحية بالعديد من أهل العزيمة المنحدرين من أبناء مشايخ الزوايا والطرق الصوفية خاصة القادرية كالشاذلي بن جديد الذي تنتمي أصوله للقادرية الشاذلية والمرحوم العربي بلخير للقادرية الدرقاوية والمرحوم مصطفيبلوضيف العيساوي الشاذلية القادرية وغيرهم من سادة الشأن العام الذين كانت لهم دراية واسعة حول انتشار حركات الإسلام السياسي وما نتج عن تجمع الجامعة المركزية(1983) والذي أصبح في حاجة إلى توازنات فكرية وطنية .
لايقوم بمهمتها إلا الزوايا والطرق الصوفية الجزائرية الأصيلة لما تتمتع به من تراث عريق كـ (التجانية– العلوية – الرحمانية- القادرية.) والتي ما زالت في حاجة إلى رد الاعتبار والدعم المعنوي والسياسي مما زاد الاهتمام بدور الزوايا والطرق الصوفية وذلك التواد والتعاطف والتضامن بين مشايخ الزوايا العلمية والطرق الصوفية الكبرى الذي ظهر جليا يوم مراسيم دفن الشيخ محمد الحبيب بن أحمد بن محمود التجاني الذي نقل جثمانه بالطائرة الرئاسية الخاصة بالرئيس السنغالي من دكار إلى الجزائر ، ليدفن بمقبرة مشايخ الطريقةالتجانية( عين ماضى- الاغواط).
وليشيع جنازته أكثر من (3 آلاف)افريقي جاءوا خصيصا لحضور مراسيم الدفن (1983)، ذلك المشهد الجنائزي الروحي الصوفي زاد من أهمية اهل العزم علي بعث الموروث الروحي للحد من المد الايديولوجي والمذهبي المشرقي والغربي (الاخوانجي،السلفجي التكفيري . الوهابجي الإنجيلي .شهود يهوه ..)وغيرهم من التوجهات السياسية المدمرة لوحدة الفكر والثقافة والوطن، والتي ظهرت بوادرها في العديد من المؤسسات الاجتماعية، مستغلة بعض الخلافات السياسية حول التوجهات الاقتصادية والثقافية (1967)والتي اثناءها أشار السيد عبد العزيز بوتفليقة علي الرئيس الراحل هواري بومدين .بان استقطاب القارة السمراء لايتم الا من بوابة الطريقة التجانية التي تضم اغلبية القادة الافارقة.
فكانت أول خطوة للزوايا والطرق الصوفية في إعادة نشاطاتها بإحياء الشعائر الدينية المتمثلة في الأعياد والمواسم ونشر رسالتها التربوية والأخلاقية والنفسية وترسيخ الايمان العقلي والقلبي والسلوكي، قبل اللقاء التاريخي لمشايخ الزوايا والطرق الصوفية العريقة الستة (06) التي يؤطرها عشرون (20) شيخا والتي تظم ( 350 زاوية) عاملة والتي ما زالت تستمد عرفانها الفقهي والعلمي والنفوذ السياسي من مجد الأجداد والولاء المطلق للسيادة الوطنية، خاصة وأن غالبية المشايخ العشرون (20) يتمتعون بمستويات عرفانية علمية عالية (الفيزياء، الرياضيات، البترول، الجراحة ، الصيدلة...) وغيرها من العلوم العصرية الأخرى .جعلها تستقطب كبار السادة والقادة والاطارات العلمية والسياسية وصناع الرأي ( الزاوية القادرية للشيخ بلحول– 1979 م 1992) تلك العودة الصوفية الفكرية لدور الزوايا في تصحيح المسار المرجعي الديني والثقافي وجمع شمل الأسرة الجزائرية التي طالها . التصدع المذهبي والايديولوجي الوافد .خاصة وأن حركة الزوايا والطرق الصوفية أقبلت على تأسيس جمعيات دينية خيرية – تربوية- سلوكية طبقا للقانون رقم 90/ 31 مؤرخ في /12/1990 والمعدل بقانون رقم 12/6/ المؤرخ في 12/12/2012 المتعلق بالجمعيات .الذي فتح المجال فيه امام الزوايا العلمية العاملة التي غدت تباشر نشاطاتها بكل حرية ومسؤولية.والتي يرجع الفضل فيها الي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رد الاعتبار الفعلي لمشايخها وصلحائها الذين برهنوا علي صدقهم فيذلك الدور حول تطبيق قانون الوئام المدني عام1999م وميثاق السلم والمصالحة الوطنية عام2005م.
رغم مؤثرات المتصوفة الجددومشايخ العمائمو الناشطين في الفضاء الديني دون قيد أو شرط أو اختصاصمما فتح المجال الى عودة وظهور العديد من زوايا التضليل المعبر عنها في العهد الاستعماري بزوايا النصرانيين وحاليا بزوايا " الطايوان " أو " زوايا السجل التجاري" المنحصر نشاطها فينشر ثقافة الشعوذة والدجل والادعاء بالنفوذ داخل دواليب المجتمع الادارية والسياسية وتسيير الحملات الانتخابية وتبيض الزنادقة والمعتوهين والمفسدين في الأرض ( المرصد الوطني للزوايا .المنظمة الوطنية للزوايا – التنسيقية الوطنية للزوايا- المؤسسة الوطنية للزوايا وثقافة التصوف) وغيرها المسميات غير البعيدة عن الشركات التجارية والحرفية، والانخراط في الأحزاب السياسية، بحيث أصبح هناك زوايا وطرق صوفية أفلانية وأخرى ارنداويةوأفافاسية، مما جعل مشايخ الزوايا والطرق الصوفية الرئيسية المطالبة بالنظر في الوضعية التنظيمية لدورها المرجعي الديني والفكري حيث تم تغيير المفهوم وتحويل وضعية الزوايا والطرق الصوفية من جمعية إلى مؤسسة دينية ذات طابع خاص .لما حققته الزوايا والطرق الصوفية الرئيسية الكبرى ( التجانيةالرحمانية.العلوية .الهبرية البلقايدية ).
هذه الأخيرة التي انفردت بنشاطاتها الفكرية والعلمية والمذهبية ذات الاهتمام العربي والإسلامي، بفضل ما تقوم به من تنظيم الملتقى الدولي الرمضاني السنوي المسمى " الدروس المحمدية منذ عام 2006" إذ أصبحت منبرا علميا لكبار الباحثين في العلوم الشرعية والفتوى وسادة الرأي الديني الإسلامي العالمي مما جعلها تستقطب كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين ، كما تمكنت الطريقة الصوفية العلوية، من طرق أبواب الهيئات الدينية والثقافية العالمية ( دولة الفاتيكان، هيئة الكرادلة) ومطالبة منظمة الأمم المتحدة(اليونسكو )بترسيم يوم 16 ماي يوم عالمي للعيش في سلام، وذلك من خلال المجهودات الفكرية والعلمية التي تدخل في إطار حوار الحضارات والأديان والثقافات، تلك الأعمال الجليلة التي يعود الفضل فيها إلى سادتنا مشايخ الزوايا والطرق الصوفية العلمية العاملة والفاعلة(الشيخ محمد بلحول .
الشيخ المامون القاسمي. الشيخ محمد عبد اللطيف بلقايد،الشيخ خالد عدلان بن تونس، الشيخ العيد التجاني )وغيرهم من حماة الفكر المذهبي والديني الصحيح .لجزائر المليون والنصف من الشهداء (1954م 1962).

من نفس القسم - صحة وعلوم -