رئيس الجمهورية: جودة العلاقات مع فرنسا لن تتأتى دون معالجة ملفات الذاكرة

الجزائر-محمد.ب

أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إن جودة العلاقات بفرنسا، لن تتأتى إلا بمراعاة العلاقات التاريخية ومعالجة مفات الذاكرة التي لا يمكن التنازل عليها.

وشدد رئيس الجمهورية، في الرسالة التي قرأنها نيابة عنه الأمين العام لوزارة المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة بمناسبة اليوم الوطني للذاكرة، على ضرورة معالجة ملف الذاكرة بجدية ورزانة، فالشعبان يتطلعان إلى تحقيق قفزة نوعية نحو مستقبل أفضل.

وذكر رئيس الجمهورية أنه لا تزال ورشات مفتوحة لإسترجاع جماجم الشهداء وإسترجاع الأرشيف وتعويض ضحايا التفجيرات النووية

وأشار رئيس الجمهورية أن "تشكيل الذاكرة الوطنية يعد تحديا ينبغي رفعة والذاكرة ليس مسألة معرفية، بل هي معالم نسترشد بها"، وأضاف: "تأمين ذاكرتنا ونقلها للشباب أكبر ضمان لتحصين الأمة". 
 
وفيما يلي النص الكامل لرسالة رئس الجمهورية: 
 
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أيتها الفضليات،أيها الأفاضل،
نحيي اليوم بفخر واعتزاز اليوم الوطني للذاكرة المخلّد لذكرى مجازر الثامن ماي سنة 1945؛ تلك المحطّة الحاسمة من تاريخ كفاحنا المجيد ضد الاستعمار، التي عقد بنات وأبناء الشعب الجزائري العزم على التوثّب وركوب المخاطر لانتزاع الحرية والاستقلال.
إن يوم الثامن ماي من سنة 1945 تاريخ خالد كان ولا يزال رمزًا للتضحية والفداء باعتباره منعطفاً حاسماً في كشف حقيقة الاستعمار وبلورة الوعي بحتمية الإعداد للثورة المباركة، ذلك أن هذا اليوم التاريخي كان قبسا أضاء القلوب إيمانا بالتضحية والجهاد وأنار دروب الخلاص والحرية والاستقلال، وفي هذه المناسبة التاريخية نترحّم على أرواح الشهداء الأبرار ومن لحقهم من المجاهدين الأخيار.
إنّنا نستحضر في يوم الذاكرة الوطنية، شهداء الكرامة والحرية من خيرة بنات وأبناء الشعب الجزائري، وننحني بخشوع وإكبار أمام أرواحهم الطاهرة، بعد إقرار الثامن من ماي يومًا للذاكرة الوطنية قبل سنة، تعبيرًا عن الوفاء لذاكرة شهدائنا الأبرار ولتضحياتهم.
إنّ الرسالة المقدّسة التي ورثناها عن شهدائنا الذين عبّدوا بدمائهم الزكية طريق الحرية، رسالة ثقيلة تتطلب منا رصّ الصفوف والتوجّه جميعا نحو المستقبل فنجعل من بنات الجزائر وأبناءها طاقة متكاملة وقوة موحّدة وافري الاستعداد لكسب الرهانات بقلوب ملؤها الثقة في النجاح، ولا يتأتّى ذلك إلاّ بالتمسك بتلك القيم النبيلة والمثل العليا التي كرّسها نضال شعبنا على مرّ السنين والعصور وهي المعاني السامية التي ما فتئت تترسّخ في النفوس وتتوطّد في الوجدان بفضل المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة على كافة المستويات والتي تهدف في مجملها إلى حماية ذاكرة الأمة، وقد تجلّى ذلك في التعديل الدستوري الجديد الذي كرّس بيان أول نوفمبر 1954، وأكّد على احترام رموز الثورة التحريرية وترقية كتابة التاريخ الوطني وتعليمه للناشئة وذلك تأكيدا للدور الاستراتيجي للذاكرة الوطنية في تنمية الشعور الوطني والحسّ المدني وتقوية روابط الانتماء والاعتزاز بأمجاد الوطن.
إنّ تثمين ذاكرتنا ونقلها لشباب الجزائر المستقلة أكبر ضمان لتحصين الأمة وتمتين صلتها بوطنها، مُعتدّة بأمجاد ماضيها قادرةٌ على التفاعل مع حقائق عصرها وتحقيق النجاح المأمول في بناء الجزائر الجديدة التي هي مقبلة على استحقاقات تشريعية في جوان المقبل، والتي ستتعزّز بفضلها مسيرة التجديد الوطني الذي التزمنا به والمبنية على قيم المصارحة والثقة والشفافية ومحاربة الفساد بكلّ أشكاله.
وإننا لعلى ثقة أنّ بنات وأبناء الشعب الجزائري تحْدوهم الإرادة والوعي لتثبيت أسس الاختيار الديمقراطي الحُر، الكفيل بإرساء دولة المؤسسات والحق والقانون، وبناء الجزائر السيّدة القوية التي يحلم بها الشهداء والمجاهدون.
أيتها الفضليات،أيها الأفاضل،
ونحن اليوم نحيي اليوم الوطني للذاكرة لابدّ أن نشير إلى أن جودة العلاقات مع جمهورية فرنسا لن تأتّى دون مراعاة التاريخ ومعالجة ملفات الذاكرة والتي لا يمكن بأي حال أن يتم التنازل عنها مهما كانت المسوّغات، ومازالت ورشاتها مفتوحة كمواصلة استرجاع جماجم شهدائنا الأبرار، وملف المفقودين واسترجاع الأرشيف وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية.
فإذا كان النظر إلى المستقبل الواعد يعتبر الحلقة الأهم في توطيد وتثمين أواصر العلاقة بين الأمم، فإن هذا المستقبل يجب أن يكون أساسه صلباً خالياً من أي شوائب، فالجزائر مصمّمة دوما على تجاوز كلّ العقبات وتذليل كل الصعوبات نحو مستقبل أفضل، وتعزيز الشراكة الاستثنائية، لترتقي علاقاتها إلى المستوى الإستراتيجي إذا ما تهيأت الظروف الملائمة لذلك، ومعالجة كل ملفات الذاكرة بجدّية ورصانة وتنقيتها من الرّواسب الاستعمارية، فالشعبان يتطلعان إلى تحقيق قفزة نوعية نحو مستقبل أفضل تسوده الثقة والتفاهم، ويعود بالفائدة عليهما في إطار الاحترام المتبادل والتكافؤ الذي تحفظ فيه مصالـح البلدين.
أخواتي الفضليات، إخواني الأفاضل،
إن العمل على إعادة تشكيل الذاكرة الوطنية وحـمايتها من التخريب والتحريف والضياع، يعدّ تحديا كبيرا ينبغي رفعه، لأنّ الذاكرة ليست مسألة معرفية عادية وفقط تتوقف عند حدود العلم، بل هي معالم وضاءة نسترشد بها طريقنا نحو المستقبل الأفضل لأمتنا ووطننا، وبودّي أن أثني على علو همّة شبـابنا وتعلـقهم الوجداني بمفاخر وملاحـم تاريخهم الوطني، وأسأل الله أن يوفق أبنـاءنا على درب تثمين عنـاصر الذاكرة الوطنية والانطلاق منها لبناء المستقبل المشرق وتحقيـق الذات.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
عاشت الجزائر حرّة أبية.
تقبّل الله منا ومنكم الصيام والقيام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 

من نفس القسم - سيـاســة وأراء -