بوتين يوجّه بوصلة روسيا نحو إفريقيا

قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تهانيه إلى رؤساء دول وحكومات القارة الإفريقية، بحلول يوم إفريقيا، مشيرا في رسالته إلى ان روسيا وإفريقيا ستتمكنان معا من ضمان الأمن في جميع أنحاء العالم.

وأضاف الرئيس بوتين في برقية التهنئة: "لقد أولت بلادنا دائما أهمية خاصة لتنمية العلاقات الودية مع الشركاء الأفارقة. وقد وفرت القمة الروسية- الإفريقية التي عقدت في سوتشي في عام 2019 ظروفا جيدة لتوسيع التعاون المثمر على المستوى الثنائي وعلى أساس متعدد الأطراف".

وأعرب الرئيس بوتين عن ثقته، في أن روسيا وإفريقيا، ستتمكنان بالعمل المشترك من ضمان تطوير وتنفيذ العديد من المشاريع والمبادرات الواعدة في مختلف المجالات لصالح الدول والشعوب، ولصالح تعزيز الأمن والاستقرار في إفريقيا وحول العالم.

 

ويعدّ تطوير وترسيخ علاقات المنفعة المتبادلة مع الدول الأفريقية ضمن أولويات السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية.

حيث تربط بين روسيا والدول الأفريقية علاقات صداقة تقليدية، فقد لعبت دوراً مهماً في تحرير القارة الأفريقية عبر دعمه لنضال شعوب أفريقيا ضد الاستعمار والعنصرية والتمييز العنصري، وفيما بعد قدّم دعماً للأفارقة في الدفاع عن استقلالهم وسيادتهم وتكوين البنيان المؤسّساتي للدولة، ووضع أسس الاقتصاد القومي، وتشكيل القوات المسلحة ذات القدرة القتالية، وهو ما يحدث في مالي، النيجر، التشاد، بوركينافاسو وافريقيا الوسطى واالسودان وغيرها، كما قام الخبراء السوفيات وبعدهم الروس بتشييد منشآت مهمة للبنى التحتية، بما فيها المحطات الكهرومائية والطرق والمصانع، وتلقّى آلاف الأفارقة تدريباً مهنياً عالي الجودة في المعاهد والجامعات الروسية. 

وقد ربط بوتين في حديثه تاريخ العلاقات الروسية الأفريقية بحاضر ومستقبل علاقات القارة السمراء بروسيا، في ظل مناخ دولي وإقليمي يحتدم فيه الصراع ويشتد فيه التنافس في أفريقيا على مواردها الطبيعية وثرواتها وأسواقها وموقعها الجيوستراتيجي، ويعتبر كل ذلك من المزايا التفضيلية للقارة الأفريقية التي احتكرها الغرب وفرض احتكاره لها بالإكراه على مستعمراته طوال حقبة الاحتلال التي انقضت، وحقبة الاستقلال التي تحققت لدول هذه القارة، وحان الآن وقت استثمار ثرواتها هذه لصالح إنسان هذه القارة، ولتحقيق كرامته ورفاهه ومستقبله.

ونشطت روسيا في تعزيز وجودها في أفريقيا، في مسعى لاستعادة الوجود والنفوذ السوفيتيين القديمين، ولضمان نصيب من مزايا أفريقيا الاستثنائية، واستفادت من سلبيات السياسة الغربية في أفريقيا، ومن تاريخها الاستعماري، كما استفادت من تنامي حالة عدم القبول الأفريقي بالخطاب والمواقف الغربية تجاه أفريقيا، فبنت خطاباً وسياسات تناصر أفريقيا في قضاياها السياسية والاقتصادية المختلفة، وتؤكد أهمية المحافظة على سيادة الدول الأفريقية، وعدم إخضاعها بأدوات السياسة أو الاقتصاد.

و عزّزت روسيا علاقاتها مع دول شمال أفريقيا، فطوّرت علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع مصر، كما بدأت بتعاون مشترك معها في مجال الطاقة النووية، وفي ليبيا أسّست قاعدتين عسكريتين في بنغازي وطبرق، كما طورت علاقاتها الاقتصادية مع تونس، وبشكل خاص في مجالات السياحة، والحال كذلك مع الجزائر التي بلغت قيمة مشترياتها العسكرية من روسيا في عام 2016 نحو 4 مليارات دولار.

وفي شرق أفريقيا تمكّنت روسيا من تطوير علاقاتها مع السودان الذي منحها قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، توفّر لها بموقعها الاستراتيجي إطلالة على البحر الأحمر، كما توفّر لها إشرافاً على حركة الملاحة البحرية والجوية، وعلى حركة التجارة العالمية، وخاصة النفط، والغاز. أما مع إثيوبيا فقد عمّقت روسيا تعاونها الدفاعي معها، وفي الـ12 من جويلية 2021 تمّ التوقيع على اتفاقيات للتعاون العسكري بينهما، مثلما وقّعا مذكرة تفاهم تضمن مساهمة روسيا في مجال الطاقة النووية، وقد وقّعت روسيا مذكرة مماثلة مع كلّ من كينيا وزامبيا.

 أما في غرب أفريقيا، فقد عزّزت روسيا علاقاتها ووجودها في عدد من دول هذه المنطقة، حيث أصبح لها وجود وتأثير ونفوذ في دولة أفريقيا الوسطى، ودخلت عبر شركة فاغنر التي تعدّ النسخة الروسية من شركة بلاك ووتر الأميركية، دخلت في الصراع الداخلي الذي تفاقم في عام 2017 بين المعارضة والسلطة، وقد مكّنها تدخّلها ذلك - الذي اتّخذ طابعاً شبه عسكري - من لعب دور كبير في توحيد المعارضة في هذه الدولة، وتوفير التدريب لقواتها، كما مكّن فاغنر من الدخول في مجالات الاستثمار المختلفة، ولا سيّما في مجال الماس واليورانيوم، ولروسيا الآن في هذا البلد نفوذ وتأثير سياسي يصعب تجاوزه. 

وفي دولة تشاد المجاورة لدولة أفريقيا الوسطى، بدأت روسيا مساعيها وجهودها الرامية إلى تعزيز دورها في هذه الدولة التي كانت شؤونها كما مواردها حقاً حصرياً وتاريخياً لفرنسا قبل أن تنافسها أميركا خلال العقدين الأخيرين، ومن مظاهر الوجود والدور الروسيّين في تشاد العلاقة التي ربطت روسيا، عبر شركة فاغنر، بمنظومات المعارضة التشادية، الأمر الذي حمل وزير الخارجية التشادي على اتهام فاغنر بتدريب قتلة الرئيس إدريس ديبي. 

وفي دولة مالي أسّست روسيا علاقات وثيقة في السنوات الأخيرة مع السلطات المالية، وعزّزت علاقات البلدين عبر توقيع اتفاقية تعاون في الدفاع عام 1994، وأعيدت مراجعتها عام 2019. وفي إطار تنفيذ هذه الاتفاقية، قامت روسيا بتدريب قادة الجيش المالي، وقدمت دعماً عسكرياً في إطار صفقة معدات عسكرية وقّعها الطرفان في ديسمبر، وقد تطوّر الموقف السياسي المالي من الوجود الغربي فيها، حيث قامت السلطات المالية بطرد السفير الفرنسي، وحظرت تحليق الطائرات العسكرية الألمانية في أجوائها، ثم طردت القوات الدنماركية من أراضيها، وهذه الإجراءات ليست ببعيدة عن مسار العلاقات الروسية المالية.

وكل ذلك في ظل تطور العلاقات الروسية المالية، الأمر الذي يشير إلى مدى قوة النفوذ الروسي في مالي بصفة خاصة، وفي غربي أفريقيا بصفة عامة، ويؤشر في الوقت ذاته على مدى تراجع النفوذ الغربي في هذه المنطقة.

ولم تكتفِ روسيا في أفريقيا بعلاقات مع الدول التي سبق ذكرها، بل أسّست علاقات مع دول أخرى تقوم على التعاون الأمني والاقتصادي، حيث تعمل في أنغولا جنوبي شرقي القارة الأفريقية لاستغلال النفط والمعادن الثمينة، مثل الألماس والذهب. وفي العام 2017-2018، وقَّعت روسيا اتفاقيات تعاون مع أكثر من تسع عشرة دولة أفريقية، منها على سبيل المثال لا الحصر (نيجيريا، وأنغولا، وغينيا الاستوائية، وبوركينا فاسو)، كما وقَّعت اتفاقات لاستخراج الغاز الصخري من موزمبيق، وبالتالي استطاعت أن تمدّ نفوذها وهيمنتها بقوة في وسط القارة الأفريقية وغربيّها، مثلما ضمنت لها موطئ قدم في شرقيها وشماليّها.

وخلال العقدين الماضيين، بذلت روسيا جهوداً كبيرة مكّنتها من تحقيق وجود مقدّر جداً ومعتبر داخل أفريقيا، وقد توجّت قمة سوتشي هذه الجهود حين توافق القادة الروس والأفارقة خلال قمة سوتشي على أهداف التعاون بين دولهم، واعتمدوا أهدافاً لزيادة تطوير التعاون الروسي الأفريقي على الأصعدة كافة، السياسة، والأمنية، والاقتصادية، وعلى صُعد العلوم والتكنولوجيا، والثقافة. كما اعتمدوا إطاراً جديداً للحوار، تحدّد عبره عقد قمة بين الجانبين كل ثلاث سنوات، وعقد مشاورات سياسية سنوية بين وزراء الخارجية الروس والأفارقة، وقد شهدت هذه القمة توقيع عدد من الاتفاقيات والمذكرات والعقود، بلغت أكثر من 50 وثيقة.

 

من نفس القسم - أخبـار الوطن -