
هكذا كيَّف الجزائري مفهومي التجارة والدفع الإلكترونيين مع واقعه الاقتصادي ومنظومتيه القانونية والمالية
ليلى عمران
استطاعت الثورة الرقمية التي غزت الجزائر مؤخرا ان تضع بصمتها على المجالين الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، حيث تحولت التجارة الإلكترونية من اختيار الى واقع فرضه العصر، خاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي شهدت الوباء العالمي والحجر الصحي، أين أصبحت المعاملات التجارية والمالية معظمها تتم عبر الأنترنت، ليصبح بعدها تقديم خدمات في مجال التجارة الإلكترونية "موضة" شباب اليوم، الذي بدوره فهم جيدا بأن الأمر أصبح علما قائما بذاته، يستلزم تحديد دقيق للأهداف ودراسات معمقة للسوق واعتماد كلي على بيانات واحصائيات، وبها استطاع تغيير عدة مفاهيم اقتصادية واجتماعية، فهل نجح في تحقيق ذلك؟
استطلاع رأي يؤكد.. أغلب الجزائريين يتاجرون الكترونيا بالوساطة !
كشف استطلاع رأي أجراه "المصدر"، مسَّ عدد كبير من الشباب الذي يقدم خدمات الكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن ثقافة الدفع الالكتروني غائبة بين أوساط الجزائريين وبالتالي احتكار القلة القليلة ممن يمتلكون بطاقات دفع أجنبية للعمليات التجارية وكذا الترويجية التي تتم عبر الشبكة العنكبوتية، مؤكدين بأن الطلب على خدماتهم أصبح يتزايد يوما بعد يوم سواء من طرف التجار، أصحاب المشاريع الصغيرة والحرفيين، بحكم عدم حيازة هؤلاء لبطاقات دفع الكترونية، مشيرين إلى أنهم يقدمون الى زبائنهم خدمات متنوعة بداية من تصميم شعار مؤسساتهم، الترويج لصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، متابعة عدد المشاهدات والصدى المحقق من عمليات التسويق الإلكتروني، الى تقديم دورات في فنون التجارة والتسويق الإلكترونيين، ويصل الأمر في بعض الأحيان الى بيع صفحات على منصات التواصل الاجتماعي تمتلك عدد كبير من المتابعين، أو تقديم عروض لزيادة عدد متابعي صفحات الزبائن الأصلية.
أصحاب بطاقات الدفع الأجنبية يحتكرون المعاملات التجارية الالكترونية
وفي هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عمر هارون في تصريح لـ"المصدر"، بأن التجارة الالكترونية في الجزائر تركز في الحقيقة على قدرة بعض الافراد الذين يملكون بطاقات من نوع خاص على غرار "بايسيرا" و"فيزا" في شراء منتجات من الخارج وإعادة بيعها لزبائن من داخل الوطن وهي العملية التي من المفروض ان يقوم بها الانسان بمفرده خاصة اذا توفرت لديه البطاقة البنكية اللازمة لذلك، وبالتالي اصبح بعض الأفراد الذين يملكون بطاقات اجنبية يعملون كوسطاء في شراء المنتجات او الخدمات على الانترنت مقابل تلقي عمولات من طرف زبائنهم، وهو الأمر الذي يخالف أسس التجارة الالكترونية العالمية التي تتطلب امتلاك موقع الكتروني يعرض عدد لابأس به من السلع أو الخدمات التي يمتلكها أو يحمل توكيلا لبيعها ثم يوفر ضمان او خدمات ما بعد البيع لزبائنه.
الدفع الالكتروني موجود في الجزائر لكنه غير مُفعل
وأضاف الدكتور هارون بالقول أن المشكل في الجزائر ليس غياب التنظيم القانوني لتسيير التجارة الالكترونية الذي أكد أنه موجود، بل في الخدمات البنكية التي لم تصل بعد للمستوى العالمي، فرغم ان بنوكنا ومؤسساتنا المالية تعرض بعض البطاقات المخصصة للدفع الالكتروني لكنها تقدم معها شروط كثيرة وتأخذ مقابلها عمولات مرتفعة مقارنة بما هو موجود دوليا، مضيفا بأن الدفع الالكتروني موجود فعلا في الجزائر من خلال مؤسستين مهمتين هما "مجمع النقد الألي" و"شركة النقد الألي والعلاقات التلقائية بين البنوك"، اللتان يشترك فيهما كل البنوك والمؤسسات المالية.
"بريدي موب" تحقق نجاحا باهرا في المعاملات الالكترونية المالية
وأرجع الدكتور هارون، سبب عدم تفعيل عمليات الدفع الالكتروني وتسهيل الحصول على بطاقاته من قبل الزبائن، الى الارتفاع الكبير في أسعار التراخيص الدولية التي يجب أن يملكها كل بنك جزائري لتحقيق معاملات الدفع الالكتروني على المستوى العالمي، حيث يتخطى سعر الترخيص الواحد منها 45 ألف دولار لسنة واحدة فقط، مؤكدا بأن البنوك والمؤسسات المالية لم تستثمر في هذا الجانب بسبب عدم وجود حجم كبير من المعاملات الالكترونية والدفع عن بعد في الجزائر، ليعود للتأكيد على وجود توجه نحو هذا الاستثمار وأقوى مثال على ذلك النجاح الباهر الذي حققته خدمة "بريدي موب".
بطاقات "بايسيرا" و"فيزا" خلقت سوق صرف موازي افتراضي
ودعا هارون في ذات السياق، الى ضرورة تكييف بنوكنا مع المنظومة الدولية واقتناء التراخيص من اجل القدرة على التعامل ببطاقاتنا على المستوى الدولي بشكل اسرع واسلس، لأن التعامل ببطاقات "فيزا" و"بايسيرا" حسبه خلق سوق صرف موازي افتراضي، مشددا على ضرورة تقنين المجال والخروج بقانون يسمى "المقاول الذاتي" الذي يخول للتاجر او الحرفي ممارسة نشاطه الالكتروني دون الحصول على سجل تجاري، وفقط بالتسجيل على منصة الكترونية تسمح له بتسوية المعاملات التي يقوم بها وفق الشروط المحددة في القانون مع تحديد نسبة مالية يدفعها للضرائب.
الدفع بالبطاقة الذهبية لبريد الجزائر قفز الى 60 بالمائة خلال "الكوفيد"
وأشار الخبير الاقتصادي عمر هارون، الى الارتفاع الكبير في المعاملات النقدية الالكترونية بعد انضمام البطاقة الذهبية لهذه المنظومة وانتشار الوباء العالمي كوفيد 19 في الجزائر، حيث وصل هذا الارتفاع الى 50 او 60 بالمائة مقارنة بالفترة ما قبل الكوفيد.
إصلاح الثغرات القانونية في نصوص التجارة الإلكترونية لن يتجاوز الخمس سنوات المقبلة
من جهته ثمن صاحب الشركة التكنولوجية "Digital in " أيوب مداح، في حديث لـ"المصدر" شغف الجيل الجديد بالتجارة والتسويق الإلكترونيين، في الوقت الذي تواجه فيه الجزائر بعض العراقيل في مسيرتها نحوهما خاصة من الجانب القانوني، ليعود للتأكيد بأن الأمر مجرد مرحلة لابد من إجتيازها، وأنه لا يتصور أن يتعدى ذلك الخمس سنوات المقبلة، متابعا بأن المعاملات التجارية التي تتم على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي كالفايسبوك والإنستغرام وغيرهما تعاني بدورها من النقص في النصوص القانونية، بحكم عدم وجود بطاقة دفع الكتروني لاستعمالها في هذا المجال وفي نفس الوقت تمنع الدولة إستعمال بطاقات دفع أجنبية كالتعامل ببطاقات "بايسيرا" غير المرخص بها.
ضبابية القوانين تكبح تبرير صرف الاموال في اعلانات "سبونسور" الفايسبوك والانستغرام
وفي سياق ذا صلة يرى مداح بأن التجارة الإلكترونية في الجزائر تعاني من الجانب الترويجي على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا من الضبابية في النصوص القانونية، وأبسط مثال على ذلك ان مؤسساتنا لم تصل بعد لمرحلة تبرير صرف الأموال في إعلانات "الفايسبوك" وغيره من مواقع التواصل الإجتماعي في حساباتها.
الجزائريون يتاجرون الكترونيا ويدفعون تقليديا
من جهتها قالت مديرة شركة "spider network" الإلكترونية أسماء لوديني في حديث لـ"المصدر" بأن التجارة الإلكترونية في الجزائر لا تزال في مرحلة متوسطة، وتعاني من العديد من العراقيل من بينها غياب ثقافة الدفع الإلكتروني بين أوساط الجزائريين، الذين يتعاملون مع عمليات البيع والشراء التي تتم عبر الأنترنت بالدفع عند استلام المنتج من قبل الزبون، أو عن طريق الحساب البريدي واظهار وصل الدفع، عكس ما وصلت اليه الكثير من البلدان التي يمتلك سكانها بطاقات الدفع الإلكتروني بحيث تتم أبسط معاملاتهم التجارية عبرها.
الخدمات التجارية والترويجية على مواقع التواصل الاجتماعي وجه آخر للتجارة الإلكترونية في الجزائر
من جهة اخرى، استحسنت لوديني، ما يقوم به به الشباب الذي يعرض خدمات تجارية وترويجية على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرة ذلك مهنة جديدة باتت تلاقي استحسان كبير من طرف الجزائريين مؤخرا، مؤكدة بأن معظم ممتهنيها يتقنون عملهم ويحققون النتائج التسويقية التي يطمح الزبون للوصول إليها، وهذا عن طريق اعتمادهم على دراسات معمقة للجمهور المستهدف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واختيارهم الموفق للأوقات التي يتم فيها تعزيز الإعلانات.