الأفارقة يطاردون فرنسا

المصدر-محمد قلاتي

يقول المثل "مَن يسبح ضد التيار يجعل التمساح يضحك".. ربما يجسّد هذا المثل الوضع المعقّد الذي تواجهه فرنسا في إفريقيا، حيث ظهرت تيارات شعبية مدنية مناهضة لوجود فرنسا على ترابهم وبرزت قوى دولية أخرى تنافس فرنسا على السيطرة والنفوذ.

وعلى الرغم من أن فرنسا لا تزال الدولة الغربية الوحيدة التي لها وجود عسكري كبير في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، إلا أن علاقتها بمستعمراتها الإفريقية السابقة تزداد توترًا منذ عدة سنوات.

ما يؤكد ذلك، تظهره الزيادة الواضحة في المشاعر المعادية للفرنسيين، بعدة دول افريقية كما تُبرزها الحركات الشعبية والاجتماعية المناهضة للوجود الفرنسي في مالي والنيجر وتشاد، وإلى حدّ ما في السنغال وبوركينافاسو.

قبل أشهر وأسابيع وكان آخرها الأسبوع الجاري.. اندلعت مظاهرات شعبية عارمة في مالي تطالب بمغادرة القوات الفرنسية المتواجدة على الترا المالي بدعوى محاربة الإرهاب، كانت آخرها المظاهرات الشعبية التي شاركت فيها مختلف فعاليات المجتمع المدني بمدينة غاو، والتي أمهلت القوات الفرنسية يوما واحدا من أجل مغادرة البلاد، وهو ما حدث بعد سويعات عندما غادر آخر جندي فرنسي الرتاب المالي نحو النيجر.

واليوم الأربعاء، حظرت السلطات في النيجر مظاهرات ضد الوجود العسكري الفرنسي كانت مقررة اليوم الأربعاء 17 أوت 2022، عندما أطلقت 15 منظمة مجتمع مدني في النيجر حركة أطلق عليها "M62 الاتحاد من أجل حماية سيادة وكرامة الشعب"، لمعارضة الوجود العسكري الفرنسي في النيجر.

فمن أسباب التنامي المتزايد لمشاعر معاداة فرنسا سياسة النهب التي تنتهجها فرنسا في حق ثروات الدول الافريقية، والرغبة في نقل صناعات معينة إلى فرنسا، مع استنزاف مواهب إفريقيا من خلال خطط الهجرة الاقتصادية إلى باريس.

كل ذلك، تضاف إليه اتهامات كثيرة من مسؤولين أفارقة بدعم القوات الفرنسية للحركات المسلحة والإرهابية بالمنطقة من أجل ابتزاز السلطات المحلية وإضعافها من جهة وإعطاء صبغة شرعية للتواجد العسكري الفرنسي.

كما دفعت موجات الانقلابات الأخيرة في الساحل وغرب إفريقيا، وتصاعد المدّ الإرهابي في المنطقة، عددا من الدول الإفريقية إلى إعادة التركيز على جداول أعمالها المحلية والتحول إلى شركاء خارجيين قادرين على تزويدها "باستجابات عملية لمشاكل عاجلة وملحة".

جسَّد ذلك بوضوح ظهور خطاب شعبوي جديد في المنطقة مناهض لفرنسا ومؤيد للوجود الروسي كما تعكسه خبرة دولة مالي. وهنا يتم تصوير الزعماء العسكريين باعتبارهم حماة ومدافعين عن استقلال وسيادة الأمة في وجه الخطاب الاستعلائي الفرنسي.

وما يؤكد التوجه المتزايد للأفارقة نحو روسيا، هو زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى عدة دول الأسبوع الماضي، وتزويد روسيا بأسلحة وعتاد حربي مهم لدولة مالي، والتخطيط لتزويد دول أخرى بعتاد عسكري واقامة تعاون أمني بينهما.

لقد أصبحت روسيا على مرّ السنوات الماضية، قوةً لا يُستهان بها في إفريقيا، فقد حلَّت روسيا محل فرنسا في مالي كمزوّد أمني من خلال مجموعة فاغنر، رغم تفنيد السلطات الروسية بذلك.

في الواقع، بعد القمة الروسية الإفريقية التي عُقدت في أكتوبر 2019م في سوتشي وحضرتها جميع الدول الإفريقية البالغ عددها 54 دولة، سارعت روسيا في توسيع أنشطتها الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية والعسكرية في إفريقيا، وهو ما يؤكد مرة أخرى أن النفوذ الفرنسي بدأ يتلاشى فعلا.

من نفس القسم - أخبـار الوطن -