
المجاهدة جيزيل غوتنر هيلين زوجة مسؤول الفدائيين بفرنسا في ذمة الله
توفيت المجاهدة جيزال هيلين غوتنر زوجة نصر الدين أيت مختار مسؤول المنظمة الخاصة في فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا التي قامت بأعمال فدائية بفرنسا وفي أوروبا وفتحت جبهة في عقر دار المستعمر الفرنسي بأمر من لجنة التنفيذ والتنسيق.
وسيتم تشييع جنازة الفقيدة يوم غد بالقرب من قبر زوجها بمقبرة "تيغديوين" بعرش اث عمر واعلي ببجاية.
الفقيدة من أصول ألمانية مولودة في 26 سبتمبر 1935 بمدينة ديسالدارف بألمانيا وهي زوجة رئيس المنظمة الخاصة المكلفة بانجاز أعمال مسلحة فوق الأراضي الفرنسية والأعمال التخريبية ابتداء من ليلة 24اوت 1958، التي استهدفت المنشآت الاقتصادية وجل عمليات تصفية الخونة وعملاء فرنسا على غرار عملية اغتيال الخائن علي شكال بعد متابعته لمقابلة كرة القدم رفقة الرئيس الفرنسي روني كوتي، من طرف الفدائي عبد الصادوق بأمر من فيدرالية جبهة التحرير وايت مختار المدعو "مجيد" مسؤول المنظمة.
سردت المجاهدة نضالها من أجل القضية الجزائرية في كتاب بعنوان "حرب الجزائر بفرنسا- ذكريات ونضالات 1956-1962 " بعد وفاة زوجها نصر الدين آيت مختار الذي باشر كتابة شهادته لكن المرض حال دون استكماله.
كشفت بأنها تابعت تدريبات خاصة قبل الشروع في تأدية مهام خطيرة بنقل الأسلحة والأموال لصالح الثورة الجزائرية.
تزوجت بآيت مختار المدعو "عبد المجيد" وفضلت الدخول إلى الجزائر بعد الاستقلال، ليقوم زوجها بتسجيل نفسه في جامعة الجزائر لمتابعة دراسات الطب التي تخلى عنها بفرنسا بعد التحاقه بالثورة.
تدرج في مساره المهني تخصص أمراض النساء وتبوأ منصب مسؤول عيادة بارني وحسين داي قبل إصابته بمرض "سكليروز" بحيث اضطرت زوجته نقله للعلاج في بروكسل ببلجيكا ثم ألمانيا قبل وفاته بعد معاناة كبيرة مع المرض.
وفي ديسمبر 2017، قدمت المناضلة جيزيل بمكتبة "الشهاب"، كتابها "حرب الجزائر بفرنسا ذاكرة وكفاح 1956-1962"، تناولت فيه مسيرة زوجها بطل حرب التحرير بفرنسا، الذي ظل يحتفظ بوطنيته الأصيلة حتى بعد الاستقلال، وفضل أن يعيش وسط شعبه بتواضع بعيدا عن أية امتيازات كانت من حقه، ليساهم بكل إمكانياته وجهده في مرحلة التشييد، خاصة في المجال الطبي.
فالسيدة جيزيل عاشت حياتها مع مسؤول كبير في ثورتنا، وكان بطلا على الجبهة الفرنسية، بمعنى أنه حارب العدو في عقر داره، وهي تجربة لم تعرفها أية ثورة من ثورات التاريخ المعاصر.
ووصفت الكاتبة زوجها بالمناضل الذي لا يتراجع أمام مسؤوليات الثورة، ولا واجبات مرحلة الاستقلال، وتؤكد أن الثورة كانت عظيمة برجالها وشهدائها الذين لم يصمد الاستعمار أمامهم، مشيرة إلى أن أول لقاء بينها وبين زوجها، كان بمحطة قطار في ألمانيا، حيث سألها عن وقت انطلاقه نحو كولونيا، وهي التي فاتها هذا القطار تحت درجة أقل من 10 تحت الصفر، كان ذلك في أواخر سنة 1959، وهنا صفق لها الحضور عندما قالت "كان القدر يحضر لي قطارا باتجاه الجزائر"، بمعنى انضمامها إلى صفوف الثوار، تولد إعجابا بين الشاب الجزائري الأنيق والوسيم والشابة الألمانية الشقراء، لكن المفاجأة الكبرى بالنسبة لها هو دخول هذا الشاب إلى بيت والدها ليلا ليبادله العناق والتحية، حينها عرفت أنهما شريكان في العمل الثوري، خاصة على الحدود الألمانية الفرنسية، لتتزوج جيزيلا هذا الشاب وتنضم هي أيضا للثورة.
عن علاقة والدها بالثورة، أشارت السيدة جيزيل إلى أن أسرتها كانت من النبلاء وعانت من السيطرة الفرنسية التي استهدفت بعض الأسر الألمانية التي رفضت التفرنس (الحرب العالمية الأولى والثانية)، واتهم والدها بالتجسس، وبذلك طوردت وقتلت جدتها بالرصاص، الأمر الذي لم ينسه الوالد فأقسم أن ينصر الثورة الجزائرية العادلة وأعطاها كل ما يملك.
يكمن ذلك العمل في تهريب السلاح وعملت جيزيلا مرافقة للفدائيين، خاصة عبر المعابر، وكانت تنقل الأسلحة. وفي هذه الفترة، تعرفت على الراحل عيسى عبد الصمد، صانع السلاح والقنابل، الذي فقد عينه وجاء إلى ألمانيا لتهريب السلاح نحو فرنسا، وهكذا تكونت شبكة مهمة.
غداة الاستقلال، عاد الراحل مع زوجته إلى الجزائر في 31 أكتوبر 1962 وعاد إلى مهنة الطب، وأصبح طبيبا وأستاذا في اختصاص "طب النساء"، ثم ساهم في تأسيس مدرسة التمريض بمستشفى "بارني" بالعاصمة، وهنا تقول "كان زوجي زاهدا لا يعنيه المال ولا يحب من يحدثه عنه حتى أنا، لذلك لم يطلب أية امتيازات ولو لابنيه اللذان يعيشان الآن في الخارج". أما جيزيل فكانت تعمل (حاملة لشهادات عليا) بالجزائر من 63 حتى التقاعد.
تعرض الراحل لمرض عضال على مستوى صفائح الدم وأصبح مقعدا، ووجدت جيزيل نفسها وحدها مسؤولة عنه في ظل غياب التكفل، لكنها استغلت عملها بسفارة ألمانيا في الجزائر لتنقله إلى بروكسل، ومكث هناك في ظل النسيان إلى غاية وفاته ونقله إلى أرض الوطن كي يدفن على أرض الجزائر.
في الختام، أشارت الكاتبة إلى أنه رغم كل المآسي والتهميش، ظلت متشبثة بالإقامة في الجزائر لأنها تحبها وأعطتها سنوات من عمرها قضتها في النضال مع زوجها، ومع مناضلين أشاوس، مذكرة بتاريخ صعب عاشته الجزائر لنيل استقلالها، ومتوقفة أيضا عند صعوبات مرت بها بلدها الأم ألمانيا.