رحابي يكتب حول التصويت الجزائري الاخير في مجلس الأمن والتضليل الإعلامي

قال الوزير الأسبق عبد العزيز رحابي، إن تصويت الجزائر الأخير في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تم تصنيفه بشكل غير منصف على أنه تحول في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. مؤكدا أن الشعبوية الدبلوماسية غلبت على القراءة الموضوعية لموقف الجزائر من القضية الفلسطينية.

وأوضح الدبلوماسي الجزائر السابق في مقال تحت عنوان "تصويت الجزائر والتضليل الإعلامي : الشعبوية الدبلوماسية لضرب الإجماع الوطني"، أن الواقع، يثبت شهدنا تكريساً إضافيًا لهيمنة الولايات المتحدة في مجلس الأمن على إدارة الأزمة في الشرق الأوسط. مشيرا إلى أن الجميع يعلم أن الولايات المتحدة، الداعم الأول غير المشروط لإسرائيل، هي الوحيدة القادرة على التخفيف ولو قليلاً من تعنت إسرائيل لحملها على احترام وقف إطلاق النار الذي قبلته حماس ورحب به المجتمع العربي والإسلامي بأسره.

 
 

كما لفت إلى ان الجزائر دعمت نصا تقدمت به روسيا وهو النص الذي يغطي بلا شك مطالب الفلسطينيين على أفضل وجه، ويتوافق مع آخر قرارات الجامعة العربية، ويقدم رؤية واقعية ودائمة للسلام في المنطقة.

وبطريقة غير مباشرة، ألمح رحابي في مقاله أن الجزائر لا يمكنها مجابهة القوة العظمى الداعمة للكيان وهي الولايات المتحدة التي استغلت حرية التصرف في المنطقة في الوقت الذي فقدت روسيا هيمنتها بالشرق الاوسط واعطت اولويات كبرى لحربها في اوكرانيا، وتجنب الصين القوة العظمى الأخرى الدخول في مواجهة الولايات المتحدة.

وخلص إلى ان وضع المبادئ في خدمة مصالح الوطن هو عملية توازن تتطلب التكيف مع الظروف، ومع ميزان القوى، ومع قدرة كل بلد على الدفاع عن مواقفه أمام الرأي العام.

وشدد رحابي على ان "تصويتنا الأخير في المجلس يتماشى مع مبادئنا التي هي أبعد ما تكون عن الدوغمائية، بل هي انسجام بين قيمنا ومواقفنا. لقد كان شعار ”الأرض مقابل السلام“ مطلباً فلسطينياً في السابق، وكانت الجزائر من أوائل دول الجامعة العربية التي دعمت هذا الموقف".

مؤكدا في الاخير "أن هذه الحملة التضليلية تهدف إلى جعل الجزائر كبش فداء وإلى التشويش على الإجماع الوطني في مجال السياسة الخارجية".

فيما يلي النص الكامل لمقال عز الدين رحابي:
 
تصويت الجزائر والتضليل الإعلامي : الشعبوية الدبلوماسية لضرب الإجماع الوطني
 
تم تفسير تصويت الجزائر الأخير في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشكل غير منصف على أنه تحول في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. فقد غلبت الشعبوية الدبلوماسية على القراءة الموضوعية لموقفنا من القضية الفلسطينية.
في الواقع، شهدنا تكريساً إضافيًا لهيمنة الولايات المتحدة في مجلس الأمن على إدارة الأزمة في الشرق الأوسط. يعلم الجميع أن الولايات المتحدة، الداعم الأول غير المشروط لإسرائيل، هي الوحيدة القادرة على التخفيف ولو قليلاً من تعنت إسرائيل لحملها على احترام وقف إطلاق النار الذي قبلته حماس ورحب به المجتمع العربي والإسلامي بأسره.
قدمت روسيا نصاً مدعوماً من الجزائر، وهو النص الذي يغطي بلا شك مطالب الفلسطينيين على أفضل وجه، ويتوافق مع آخر قرارات الجامعة العربية، ويقدم رؤية واقعية ودائمة للسلام في المنطقة. إلا أن روسيا لا تملك حالياً سوى نفوذ محدود على الأطراف الرئيسية في الأزمة، ولم تعد فاعلة في الشرق الأوسط كما كانت في الماضي. ويجب القول إن الحرب في أوكرانيا تفرض بطبيعة الحال أولويات أخرى.
من جانبها، تنفذ الصين أجندتها الإقليمية الخاصة كقوة عظمى، حيث لا يمثل الشرق الأوسط أولوية بالنسبة لها في ضوء التحديات التي تواجهها في آسيا. وعلى الرغم من تصدع النظام المتعدد الأطراف، فإن القوى العظمى تتجنب التصادم فيما يتعلق باحترام مناطق النفوذ التاريخية لكل منها.
وهذا الوضع يتيح للولايات المتحدة حرية التصرف، حيث تعتمد بطبيعة الحال على الدعم الفعال من فرنسا وبريطانيا. وقد أدى ذلك إلى تطور مقلق في طبيعة مهام مجلس الأمن نفسه .
ففي التصويت الأخير على غزة، قدمت الجزائر مقترحاً بإدراج الإشارة إلى الدولة الفلسطينية، وحصلت على موافقة الأعضاء. هذه المسألة ليست تقنية، بل هي في صميم المشكلة الفلسطينية بين تعنت إسرائيل وتردد الولايات المتحدة وتجميد عملية التطبيع في أعقاب الحرب على غزة. كما أخذت الجزائر في الاعتبار المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني وعجز ممثليه التاريخي عن التحدث بصوت موحّد. وقد حملت، مع باكستان، أصوات المجموعات العربية والإسلامية في ظل الأحكام الأكثر خدمة للفلسطينيين.
. أخيرًا، من أجل التحرك ضد الانحراف الذي يشهده المجلس الذي يتخذ قرارات بشأن غزة ولكنه يعهد بتنفيذها إلى قوة لا تملك الأمم المتحدة أي سلطة عليها ، يجب أن يتوفر حق النقض . لقد كرّس التاريخ بشكل غير عادل النظام الذي أُنشئ في عام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي لن يشهد أي تغيير على الرغم من الوعود التي قُطعت للقوى الجديدة.
قبل فترة وجيزة، كان الهدف من النص الأول الذي قدمته الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي هو جعل المجلس أداة لإضفاء الشرعية على احتلال الصحراء الغربية وتحويل بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في الصحراء الغربية (مينورسو) من جهة مشرفة على وقف إطلاق النار ومسؤولة عن تنظيم الاستفتاء إلى آلية لتنفيذ الخطة المغربية في الصحراء الغربية. في كل مرة تشارك فيها الولايات المتحدة في ملف ما، تفوض لها الأمم المتحدة جزءًا من صلاحياتها
في ملف الصحراء الغربية، طلبت الجزائر بأقوى صوت العودة إلى روح النصوص الأساسية للأمم المتحدة، وبدعم من الصين وروسيا وجميع الأعضاء غير الدائمين، في التخفيف من تعنت المجموعة الغربية في المجلس وإضفاء المزيد من التوازن على مشروع القرار بإدخال حق تقرير المصير الذي جعل الخطة الفرنسية المغربية لعام 2006 خياراً مساوياً لغيره من الخيارات.
إن وضع المبادئ في خدمة مصالح الوطن هو عملية توازن تتطلب التكيف مع الظروف، ومع ميزان القوى، ومع قدرة كل بلد على الدفاع عن مواقفه أمام الرأي العام. إن تصويتنا الأخير في المجلس يتماشى مع مبادئنا التي هي أبعد ما تكون عن الدوغمائية، بل هي انسجام بين قيمنا ومواقفنا. لقد كان شعار ”الأرض مقابل السلام“ مطلباً فلسطينياً في السابق، وكانت الجزائر من أوائل دول الجامعة العربية التي دعمت هذا الموقف. أخيراً، من الواضح أن هذه الحملة التضليلية تهدف إلى جعل الجزائر كبش فداء وإلى التشويش على الإجماع الوطني في مجال السياسة الخارجية .

 

من نفس القسم سيـاســة وأراء