انتكاسة دبلوماسية جديدة للمغرب في مواجهة الجزائر
- بواسطة المصدر
- في 03 ديسمبر 2025
- 3664 قراءة
المصدر/محمد قلاتي
في مشهد دبلوماسي متجدد يعكس قوتها السياسية على الساحة الدولية والاقليمية، استغلت الجزائر خبرتها الطويلة والمصداقية التي تتمتع بها في معالجة قضايا السلم والأمن في القارة الإفريقية ودفاعها المستميت عن مصالح القارة وشعوبها. فبعد سلسلة من الانتصارات السابقة، التي بدأت بتعزيز حضورها في مجلس الأمن الدولي وصولًا إلى تبني سياسات فعالة في مكافحة الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل، تواصل الجزائر تقديم نفسها كحلقة وصل بين دول شمال إفريقيا وجنوبها، فيما تؤكد من جديد التزامها الثابت بمبادئ الاتحاد الإفريقي، مثل احترام سيادة الدول وحل النزاعات عبر الحوار والتعاون، وكذا الدفاع عن مصالح القارة.
ورغم محاولات المخزن المغربي مرارا وتكرارا "تقزيم" الانجازات الدبلوماسية للجزائر، في المقابل تضخيم "شطحاته" الوهمية عبر وسائل اعلامه، اكدت الجزائر مجددا مكانتها كقوة إقليمية وفاعلة في القضايا الدولية، حيث أثبتت قدرتها على التأثير في الملفات الكبرى، من القضية الفلسطينية إلى الأزمات الإقليمية، مرورًا بقضايا إفريقيا والاستقرار في العالم العربي. من خلال تنظيم فعاليات معتمدة رسمياً من الاتحاد الإفريقي وبحضور غير مسبوق لممثلي الدول الافريقية.
وقبل ايام فقط، استضافت الجزائر في مركز المؤتمرات الدولي CIC حدثين قارييّن محسومين بقرارات رسمية صادرة عن قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، ويتعلق الأمر بالمؤتمر الدولي حول جرائم الاستعمار في إفريقيا والذي تمت المصادقة عليه في قرار القمة 903 (فيفري 2025) بناءً على مبادرة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
ويدخل هذا المؤتمر ضمن تنفيذ شعار الاتحاد الإفريقي لسنة 2025 حول “العدالة وجبر الضرر للأفارقة وذوي الأصول الإفريقية”.
وبالتزامن مع ذلك، احتضنت الجزائر الدورة الثانية عشرة لندوة وهران حول السلم والأمن في إفريقيا، وهي منصة مؤسسية راسخة منذ 2013، تم إقرارها كآلية دائمة بموجب قرار الاتحاد الإفريقي 815/2022.
وتعتبر ندوة وهران موعدا سنويا رئيسيا للتنسيق بين أعضاء مجلس السلم والأمن (CPS) والأعضاء الأفارقة في مجلس الأمن (A3). حيث شهد حضورا قاريا رفيع المستوى يتقدمه لأول مرة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمد علي يوسف.
وشارك في هذا الحدث، اضافة إلى رئيس المفوضية الافريية وزراء خارجية كل من كوت ديفوار – بوتسوانا – توغو – رواندا – ناميبيا – أنغولا – الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية – تونس. اضافة إلى نواب وزراء خارجية: غانا – ليبيريا – الصومال – سيراليون – مصر – جنوب إفريقيا.
كما تم تسجيل حضور دولي رفيع تمثل في مفوض السلم والأمن للاتحاد الإفريقي – Bankole Adeoye – الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام – Jean-Pierre Lacroix – نائب الأمين العام للأمم المتحدة وممثل المنظمة لدى الاتحاد الإفريقي - Parfait Onanga-Anyanga المبعوث الأممي لإسكات البنادق – Mohamed Ibn Chambas – المبعوثة الخاصة البرتغالية لمنطقة الساحل – Rita Laranjinha.
وتحمل هذه المشاركة رفيعة المستوى دلالات قوية، أبرزها اعتراف مباشر من أعلى هيئة تنفيذية للاتحاد الإفريقي بالأثر المتزايد لندوة وهران في هندسة قرارات السلم والأمن القارية. كما تعد تتويجا لدور الجزائر كفاعل رئيسي داخل أجهزة الاتحاد، خصوصاً بعد انتخابها لعضوية مجلس السلم والأمن الإفريقي (2024–2026).
اضافة إلى ذلك، تعتبر المشاركة الغير مسبوقة في هذا الحدث إشارة سياسية واضحة إلى مكانة مسار وهران كأحد أهم فضاءات التفكير واتخاذ القرار في القارة.
وأمام اخفاقات دبلوماسية ملحوظة للمغرب، أمام النجاحات الدبلوماسية الجزائرية في أفريقيا، حاول المغرب "استفزاز" الجزائر والتشويش على كل خطوة تبادر بها على الساحة الاقليمية والدولية، من خلال تنظيمه فعالية خارج التفويض وبتوقيت متزامن، وهي الفعالية التي احتضنتها الرباط تحت عنوان “المؤتمر الأول للضحايا الأفارقة للإرهاب”، والواقع أن هذه التظاهرة أثارت منذ البداية، تساؤلات عديدة حول أهدافها الحقيقية، وتداعياتها الدبلوماسية والأمنية المحتملة.
ولاشك أن لنظام المخزن في المغرب دوافعه وأهدافه الخاصة وراء الانخراط في هذه الفعالية "المحدودة" التي اتخذت طابعا "احتفاليا" في وسائل الإعلام المغربية رغم محدودية المشاركة اقتصرت على وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، إلى جانب Alexandre Zouev بصفته “الأمين العام المساعد بالنيابة في مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب” (par intérim)، وهي رتبة تمثيل مؤقتة لا تعكس حضوراً رسمياً رفيعاً من قيادة الأمم المتحدة.
اما على مستوى المشاركة الإفريقية فاقتصر الحضور على وزراء من دول تعيش وضعيات انقلابية يخضع حكامها لعقوبات بموجب قرارات الاتحاد الإفريقي وهي مالي – بوركينا فاسو – غينيا الاستوائية، وهو ما يقلّل من الطابع التمثيلي القاري للحدث.
والحقيقة أن المغرب حاول توظيف هذا المؤتمر لمواجهة تآكل "نفوذه الإقليمي"، والتخفيف من العزلة الدولية التي تسبب فيها لنفسه منذ اصراره على احتلال اراضي الجمهورية العربية الصحراوية وتحالفه مع قوى استعمارية داعمة للارهاب مثل فرنسا والامارات، حيث واجهت المملكة المغربية عدة انتكاسات دبلوماسية، تمثلت أولا في فشلها فرض مقترح الحكم الذاتي بالصحراء الغربية، وثانيا في عدم حصولها على تفويض افريقي رسمي.
وبالمختصر، منح الاتحاد الإفريقي الجزائر تفويضاً في ملفات السلم والأمن، بينما يكلف المغرب فقط بملف الهجرة. وبالتالي فإن المؤتمر المغربي حول الإرهاب خارج التفويض القاري. كما ان توقيت تنظيم المغرب لهذا المؤتمر دون غطاء مؤسسي يعتبر مستفز دبلوماسياً، بعدما تم تنظيمه في نفس توقيت الفعاليات الرسمية التي تستضيفها الجزائر، ما يعكس محاولة واضحة لخلق توازن رمزي أو إعلامي، رغم الفارق الكبير في الشرعية والمستوى التمثيلي.
فبمجرد اقامة مقارنة بسيطة نجد ان الجزائر نظمت أحداثا بتفويض رسمي من الاتحاد الإفريقي وشهدت حضورا وزاري واسع وعلى أعلى مستوى وبمشاركة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي لأول مرة ومشاركة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وهو ما يعتبر انسجاما كاملا مع اختصاص الجزائر في ملفات السلم والأمن، بينما المغرب نظم حدثا غير مفوّض من الاتحاد الإفريقي وشهد حضورا محدودا من دول غير معترف بحكوماتها وهو ما جلعها غير مؤثرة سياسيا او قاريا مقارنة بفعاليات الجزائر.



