حقد على السلطة أم على الجزائر.. الحراك الشعبي إلى أين ؟

 الجزائر/ محمد حميان

رابع جمعة تنقضي لـ "الحراك الشعبي" و"الشعارات المطالبة بالرحيل"، في الجهة المقابلة تقبع السلطة متمسكة بمقترحاتها للخروج من هذا الوضع، هو المشهد الذي وضع الجزائر بين السندان والمطرقة، أسئلة وتساؤلات كثيرة تخيم على أذهان الجزائريين، لكن الأجوبة لا تزال غائبة ومبهمة، ولعل الإشكالية هنا هي "ما الحل؟"

والاكبر والأخطر منها "متى الحل؟" و"بيد من؟" و"هل ستكون هذه اليد رحيمة أم حاقدة؟"، فلنعتبر أن المطلب الشعبي تحقق.. فماذا بعد؟ هل سيجد الجزائريون ضالتهم في الإنتخابات الرئاسية "المؤجلة"؟، حسنا.. لنضع طرحا أخرا يتمثل في تمسك السلطة بمقترح الندوة الوطنية فـ"ما هي الورقة التي سيلعبها الشارع؟" و"هل سينحرف المنحى السلمي للمسيرات؟"، بين هذا وذاك يبقى مستقبل البلاد مبنيا للمجهول إلى حين..

من حق الشعب والشارع لفض ورفض المبادرات والمقترحات الحكومية لكن النخب التي اتخذت من الشارع منبرا لها تقع على مسؤوليتها تقديم بدائل موضوعية وجادة عبر تغليب لغة العقل وانتهاج الحوار كأسلوب يتيح للجزائريين الشروع في وضع ملامح وأسس الجمهورية الثانية لأن رفض كل شيء دون تقديم بدائل واقعية سيوقعنا والجزائر في المحظور ومن ثمة يتم مصادرة الحراك من طرف قوى أجنبية خفية ليتحول الحراك الشعبي لأداة في يدها تستغله للابتزاز.

هنا الأمثلة عديدة ومتعددة أكبرها الأزمات التي عصفت بدول الإقليم وكيفية تحولها من مظاهرات سلمية بدأت بمطلب الإصلاح والتغيير وتحولت في غياب الحوار إلى دعوات لإسقاط النظام، فتلاشت الأنظمة لما غابت لغة العقل وتغليب المصلحة العامة وشاهدنا كيف دخلت مخابر الشر عبر أزلامها لتعفين وكسر جميع مساعي الحفاظ على المؤسسات لتعم الفوضى ويسهل تركيع الدول.

إن تحوُل مطالب المسيرات من شعار "لا للعهدة الخامسة" ونجاح الجزائريين في مسيرة أول جمعة وثانيها وثالثها في المحافظة على "السلمية" وتوحيد الشعارات والصفوف، قد يفتح الشهية ويرفع سقف المطالب ويطورها إلى مشروع إسقاط النظام والمطالبة بتقسيم البلاد لفيدراليات من طرف بعض "الحاقدين" على البلاد، مستغلين تقاعس النخب السياسية المنتمية للمعارضة التي سبق للشارع أن لفظها برجالاتها وأطروحاتها، فحسب المتظاهرين فإن هؤلاء شركاء في ما وصلت إليه البلاد تماما كأصحاب القرار.

هذا الإتفاق على نفس المبادئ والأسس للمتظاهرين يحيلنا وجوبا بعد شهر من اندلاع المظاهرات الى طرح الأسئلة التي نعتقد انها مشروعة.. كيف لحراك شعبي أصبح يضرب به المثل في مختلف المحافل الدولية، لم تبرز من خلاله قيادات تملك صفة "الاجماع"؟، بل والمخيف ان الاسماء التي تم تدويرها عبر منصات التواصل الاجتماعي وتداولها نشطاء تم المسارعة باسقاطها، ما يقودنا لطرح السؤال الطبيعي "لما رفضت كل تلك الأسماء بالرغم من امتلاكها للمعايير المطلوبة كمعارضتها القديمة لخيارات وسياسات النظام؟؟، فهل لأنها لا تملك خارطة طريق واضحة المعالم أم أن الحراك تحركه أو تغذيه جهات خفية لمصلحة لا ندركها؟؟".

كما يدفع الأمر للتساؤل "هل تمسك النخب المعارضة بمواقفها يرجع إلى حقدها على السلطة ورجالاتها؟؟ فإن كانت الإجابة "نعم" فهنا الأمر يعتبر كارثيا إذ سينعكس سلبا لا محالة على مطالب الحراك الشعبي باعتباره جزءا منه، ويدخل البلاد في متاهات ومسارات غير امنة قد تنسف كل الصور الجميلة التي صدرها الجزائريون في المسيرات الماضية.

نعتقد ان جملة التساؤلات التي نطرحها مشروعة وحان وقت فتح نقاش حولها بعد أربعة أسابيع من مسيرات أدهشت الصديق قبل العدو، ولقد أصبحت مسؤولية كل جزائري الآن، التفكير في مخارج آمنة تضمن لكل مواطن حقه في إطار الأمن والاستقرار تحسين وضعه الإجتماعي والإسهام إيجابيا في بلورة تصور الجزائر الجديدة أو شكل الجمهورية الثانية عوض تضييع المزيد من الوقت واتاحة الفرصة للمتربصين بالبلاد لنفث سمومهم وبث الفوضى والدفع بالوضع إلى الانسداد.

ولأن الانسداد ستترتب عنه لا محالة انزلاقات، فقد تعصف بجميع ما تحقق من مكاسب، وعلى رأسها مكسب الأمن والاستقرار، الذي يعلم كل جزائري كم دفعنا فاتورته الغالية، زيادة على انه لا إقلاع اقتصادي دون توفر شروطه الموضوعية.

نعم، هناك جملة من المطالب رفعت خلال المسيرات أغلبها مشروعة، والحكومة هنا مطالبة بالاستجابة الفورية لها، كما أصبح ضروريا إيجاد الآليات المناسبة والبدء في حوار جاد وبناء يمَكننا من تفويت الفرصة على المتربصين وأعداء الجزائر وإجهاض مساعيهم، إعتبارا من أن الحفاظ على أمن البلاد والعباد مسؤولية نتحملها جميعنا، والاسراع في إيجاد مخارج للازمة التي نعيشها اليوم مسؤولية النخب من الحراك والسلطة، فهم مطالبين أكثر من أي وقت مضى بإبعاد جزائرنا الحبيبة عن مخططات من لا يريد بها خيرا، كما أن إسناد مهمة رسم ملامح الجمهورية الجديدة لا يجب أبدا أن تكون في يد حاقد.

ولعل خير مثال على الحاقدين رجل دخل على شيخ فوجده يشرح لطلابه صحيح البخاري، فقال الرجل للشيخ: في الغرب وصلوا إلى القمر وأنت تشرح البخاري. فقال الشيخ: وما العجب في هذا؟ مخلوق وصل الى مخلوق، ونحن نريد ان نصل للخالق. لكن اتعلم انك انت المفلس الوحيد بيننا؟ فلا انت وصلت القمر معهم، ولا قرأت البخاري معنا. فما أكثر أمثال هؤلاء بيننا لا يسيرون مع الركب ولا يسلم الركب من شرهم.

من نفس القسم - صحة وعلوم -