طالب الإبراهيمي يوجه رسالة إلى الرأي العام

الجزائر/سارة.ب

وجّه الوزير الاسبق احمد طالب بالابراهيمي رسالة الى الراي العام، هذا نصها الكامل:

” بسم الله الرحمن الرحيم
إلى شباب الحراك حافظوا على دينامية التغيير
كُتب لي أن أعيش حتى أشاهد استعادة الشباب الجزائري لزمام المبادرة في صنع مستقبله، في وطن عزيز مهاب الجانب كان مهددا في عهد الاحتلال الفرنسي بالذوبان في الكيان الاستعماري الدخيل، لو لا تلك التضحيات الجسام التي بذلها شعبنا بتقديم قوافل متلاحقة من الشهداء في ثورات وانتفاضات متنقلة ومتتالية على امتداد132 سنة توجت والحمد لله، باسترجاع الاستقلال و السيادة الوطنية، فتحية للشباب الذي أعاد ربط الصلة بماضيه المجيد ويرفع اليوم عاليا راية التغيير والتجديد، ورحم الله شهداءنا الأبرار، وسلاما على كل من بقوا من رفاقهم الأحياء محافظين على العهد الباديسي النوفمبري وما بدلوا تبديلا.
لقد تقدم بي السن وألغى كل طموح في نفسي، بيد أنه لم يستطع منعي من التفاعل مع قضايا وطني. لم أعد بتلك الفتوة التي تمنحني القوة لأكون معكم في مسيراتكم المباركة التي تدكّون بها في كل يوم يمر منذ 22 فيفري الماضي ركائز نظام فاسد، وتؤسسون لعهد زاهر أنتم الآن بصدد وضع لبناته الأولى، عهد سيشهد إن شاء الله بناء دولة القانون التي تصان فيها مقومات الأمة، وتحترم فيها الحريات وحقوق الانسان، وتكون فيها العدالة مستقلة في نزاهة أحكامها، والعدالة الاجتماعية حقيقة مجسدة في التوزيع العادل للدخل الوطني وتوفير فرص متكافئة للجميع في الرقي الاجتماعي والعيش الكريم والمشاركة في الحياة السياسية، ولن يتأتى ذلك إلا إذا انتهينا من الخلط بين السلطة والمال الفاسد، وأخلقنا الحياة العامة ودفعنا إلى الصفوف الأمامية برجال مسؤولية وليس برجال تنفيذ.
تابعت بفخر واعتزاز هذه الملحمة التي صنعها أبناء الشعب من كل الفئات الاجتماعية وكل الأعمار في عموم الوطن، والتي تجاوب معها أبناؤنا وبناتنا في ديار الغربة، وهي ملحمة انتزعت بطابعها السلمي والحضاري تقدير العالم الذي بدأ يصحح أحكامه في نظرته للجزائر “مطلع المعجزات ولوحة في سجل الخلود” كما يصفها الشاعر مفدي زكريا رحمه الله.
كنت أتابع عن بعد هذا الحراك مع كل الذين تعذر عليهم النزول إلى شوارع المدن ليعيشوا هذه اللحظة المفصلية في تاريخ الأمة، ولم أتوقف عن استقبال وفود من شباب الحراك الذين عرضوا عليّ بإلحاح ترشيحي لقيادة المرحلة الانتقالية. لم ألبّ دعوة مقربين وأصدقاء لتوجيه رسالة تأييد وتشجيع لصانعي الحدث في أسابيعه الأولى ليس تعاليا، وإنما لسببين أولهما تفادي كل تفسير خاطئ يوحي برغبة في استغلال الموقف من أجل التربح السياسي، أو تصفية حساب مع الرئيس السابق. أما السبب الثاني الذي أراه أكثر وجاهة، فهو الابتعاد عن تكريس الزعامة وعبادة الشخصية التي قضت عليها ثورة التحرير قبل أن يعاد إحياؤها اليوم في مجتمع غالبيته العظمى من الشباب الذين يتحكمون في تكنولوجيات لم تكن متاحة في زماننا، مما يجعلهم أكثر دراية بطريقة التعامل مع متطلبات العصر، ولا بدّ أن تُعطى لهم الفرصة المؤجلة لإثبات ذلك.
واليوم، وأمام الانسداد السياسي المتمثل في تعنت السلطة وتمسك الحراك الشعبي بمطالبه، رأيت من واجبي أن أدلي برأيي إشادةَ بهذه الثورة السلمية التي يشكل الشباب المتعلم نواتها الصلبة، والعمل على تصويب بعض الأخطاء والحرص على تقريب وجهات النظر الذي لولاه لاستحال تصور الحلول التوافقية. وفي هذا الصدد، جاء البيان الثلاثي الذي أصدرته في 18 ماي مع الصديقين علي يحيى عبدالنور ورشيد بن يلس عملا بسنّة حميدة درجنا على اتباعها منذ أكثر من عقد كلما استلزم الامر تحديد موقف من قضية ما في حياة الأمة.

إن يوم الجمعة يشكل بالإضافة إلى قيمته الروحية قيمة رمزية خاصة. فقد صار جامعا لكل أطياف المجتمع من وطنيين وإسلاميين وعلمانيين، يتقدمهم شباب متحمس لم تتبلور قناعاته السياسية بعد، لكنها لن تكون جانحة أمام هذه الوسطية الفائقة. لقد بلغ الحراك الشعبي مستوى عاليا من النضج والوعي رغم ما يعتريه من انقسامات طبيعية، ورغم كل المخاطر والمخاوف بما فيها مع الأسف لغة التخوين اتجاه بعض القيادات السياسية، أو جهات من الوطن، أو الإساءة إلى قيادة المؤسسة العسكرية، إلا أنه علينا جميعا الحفاظ على هذا المكسب الحضاري، وأن نصلح بين كل الأطراف ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأن نستخلص من الحراك الشعارات الجامعة ومن بينها “الجزائريين خاوة خاوة” و”الجيش الشعب خاوة خاوة”.
لقد لعبت المؤسسة العسكرية دورا هاما في الحفاظ على سلمية الحراك الشعبي من خلال حرصها على تجنب استعمال العنف، وتجلّى هذا واضحا في عمل قوات الأمن من شرطة ودرك التي هي على تماس دائم مع المحتجين. ويطيب لي هنا أن أتوجه بالشكر والتقدير في آن واحد إلى أفراد هذه الأسلاك وهؤلاء المحتجين على حرصهم المشترك على سلمية المسيرات الشعبية، وأرى في ذلك بذور ثقافة جديدة يقوم عليها صرح الديمقراطية غدا، وأعني بذلك ثقافة منع استعمال العنف من أجل الوصول إلى السلطة أو التشبث بها.
حقا، إن المؤسسة العسكرية تتسم بالانضباط وتفادي التدخل المباشر في الشأن العام، لكنها في هذا الظرف الخاص يجب أن تُصغي إلى اقتراحات النخب وعقلاء القوم، وأن لا تكون سندا لمؤسسات لا تحظى بالرضى الشعبي حتى وإن كانت في وضع دستوري ثابت كان مبرمجا لحالات عادية، وليست استثنائية كالتي نمر بها اليوم.
بالمقابل، لا يجب أن تكون مشروعية تدخل المؤسسة العسكرية بديلا عن الشرعية الشعبية، بل عليها أن تكون قناة لتحقيق هذه الشرعية عبر الاستجابة الواضحة للمطالب الشعبية وفق قراءة واعية ومسؤولة للواقع السياسي وضغوطات المرحلة، بحيث لا تنحرف هذه المشروعية إلى إعادة إنتاج وسائل وآليات الحكم السابق عبر عناوين جديدة يلتبس فيها مبدأ الاستقرار المؤسساتي والدستوري بريبة المطامع السلطوية التي لا تخلو منها أي نفس بشرية.
أما النقاش الدائر حول الدستور، فقد تحول إلى جدل مجتمعي من إيجابياته أنه جعل الشباب ينتقل من موقع العزوف عن العمل السياسي إلى موقع المهتم بالعمل السياسي، ولكنه أيضا بي “.

من نفس القسم - صحة وعلوم -