بوكروح يردّ على الإرهابي فرحات مهني عبر رسالة مطولة..

الجزائر-جهيد.م

وجه الوزير السابق نور الدين بوكروح، رسالة إلى زعيم حركة الماك الارهابية، فرحات مهني، شدد فيها على أن مشروع انفصال منطقة القبائل غير قابل للتطبيق، حتى ولو استعمرت الجزائر من طرف أقوى القوى العسكرية في العالم.

وأضاف بوكروح في رسالته التي نشرها في صفحته بفيسبوك: "أن تصبح القبائل إمارةً أفغانية أوفر حظّا من أن تصبح نسخة من إسرائيل” في إشارة منه لاستحالة الانفصال"، مضيفا: "مشروعك غير قابل للتحقيق لأنه مرفوض من قبل منطقة القبائل وجميع المناطق الأخرى. لن ‏يمكنك اقتلاع منطقة القبائل من بقية الجزائر وأخذها إلى مكان آخر، ولا استيطانها بسكان يأتون من ‏خارجها، ولا أيضا العيش بين من يحيطون بها دون الانتماء إليهم".

كما رد بوكروح في رسالته بخصوص ورود اسمه في قائمة الاشخاص الذين شكرهم الارهابي مهني ومن ضمنهم اعلاميون هاربون من الجزائر.

وأكد بوكروح في سرالته أنه في الواقع لا توجد منطقة هي ملكيّة ‏سكانها، فالأرض جزائرية ولم يحدث أبدا طوال تاريخ الجزائر الصاخب أن حاول محتلٌّ ما فصلَ منطقة القبائل عن باقي البلاد ‏ليجعل منها كيانا منفصلاً لا الفينيقيون ولا الرومان ولا العرب ولا العثمانيون ولا فرنسا، لو كان ذلك ‏ممكناً خلال الألفي عام الماضية لتمكّن أحدُ هؤلاء من تحقيقه، وإن كان لم يحدث خلال ألفيّ عام فإنه ‏لن يحدث في الألفيتين القادمتين. الأمر ذاته ينطبق على غرداية التي تملك من عوامل الانفصال ‏والاستقلال أكثر من منطقة القبائل لكن لم يفكر أي ميزابي في يوم من الأيام في فصلها عن البلاد‎.، يضيف المرسل.

وشدّد بوكروح عل أنه يمكن لجيوش القوى العظمى في كوكب الأرض كله أن تتوجه دفعةً واحدة نحو بلادنا وتحتلها، وأن ‏تقضي على دولتها وتدوس على جيشها لكنها لن تفوز بمنطقة القبائل ولن تفصلها، كما لن تفلح في ‏جعلها “منطقة خضراء” يمكنكم أن تعيشوا فيها بسلام، منفصلين عن بقية الجزائريين.‏

وفيما يلي النص الكامل للرسالة:

أخي العزيز،
أتوجه إليك بكلمة "أخي" قاصدا منها ما يعنيه الجزائريون من نبرة التآخي والصّلح، وذلك رغم ابتعادك ‏عن بلدك السابق وعن سكانه من غير القبائل.‏
ننتمي أنا وأنت لنفس الجيل، وها نحن نبدأ الحلقة الأخيرة من حياتنا التي كرسناها أنت لمنطقة ‏القبائل وثقافتها ولغتها، وأنا للجزائر بحدودها المتعارف عليها وتنوّع السكان الذين يقطنونها منذ ‏آلاف السنين دون استثناء فرد منهم. يضاف إلى ذلك دستورها الذي نقشت فيه ثوابتها الوطنية: ‏الإسلام، الأمازيغية، العروبة، قيم نوفمبر (وحدة الشعب والتراب الوطني)، الديمقراطية والحداثة‎.‎
إن لم أكن مخطئاٌ نحن نعرف بعضنا البعض بالاسم منذ "الربيع الأمازيغي" في 1980 على الأقل. حين ‏كنتَ أنت ناشطًا في الحركة الثقافية البربرية وفنانًا معروفًا، بينما تجرأت أنا في أفريل 1981 على ‏التساؤل حول القضية التي كنتم تدافعون عنها في ثلاث مقالات متتالية حملت عناوين واضحة: ‏‏"حقائق عن الثقافة"، "أصول و وجهة الجزائري " و "الجزائري ووجهة العالم".‏
هذه المقالات قوبلت آنذاك بالغضب من طرف أنصار قضيتك وأنا أعرف ذلك لأنني تلقيت عبر ‏الجريدة الكثير من رسائل الازدراء والتهديد. لقد تطرقت في تلك المقالات إلى الحاضر والماضي ‏ومستقبل الجزائريين، وقد تعمدت وضع المصطلح في صيغة المفرد حتى أعبر عن خوفي من أن نكون ‏في يومًا ما، كشعب، منقسمين بسبب الأيديولوجية البربرية، التي كنت قد بدأتُ في متابعة مخاضها ‏منذ تأسيس "الأكاديمية البربرية" في فرنسا نهاية الستينيات، و ظهور "الحركة الثقافية الأمازيغية" في ‏المغرب.‏
كذلك كنت أتابع بنفس التوجس تفاقم مدّ الإسلاموية السياسية التي شكلت ذروتها حينها الثورة ‏الإيرانية التي عشتها من داخلها برفقة الإيرانيين، ثم كرست لها حين عدتُ إلى الوطن تقريرًا طويلًا ‏ثلاثة أيام متتالية، ربما تكون قد قرأته (جوان 1979).‏
كذلك حدث خلال تسعينيات القرن الماضي أن التقى طريقانا في مسارات الحياة السياسية، كما تقابلنا ‏عدة مرات في مقر "حزب التجديد الجزائري" أو "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية". وقد سالت ‏منذ ذلك الوقت الكثير من المياه والدماء تحت الجسور وفوقها بسبب ما عرفته البلاد من صدام كان ‏حتميّا بين "العصبيات" الثلاثة التي تتمثل تباعاً في "مركزية" السلطة الشريرة وعديمة الكفاءة، ‏و"الإسلاموية" الجهولة الشعبوية، وايديولوجيا "البربريزم" المحكوم عليها بالانفصالية لكونه يرتبط ‏بمنطقة توجد في مركز البلاد مثلما يوجد القلب داخل القفص الصدري: لا تقبل الاجتثاث و لا ‏الانقسام‎.‎
قبل عامين من ظهور الإرهاب في مارس 1992، كنت قد ذكرت المصطلح (أي الإرهاب) في نص مؤرخ ‏في ماي 1990، كررت فيه عدة مرات بأن الدور سيأتي بعد ذلك على البربرية، لكن أحداً لم يفهم وقتها ‏معنى ما تنبأت به لأن أحداً لم يكن يتصور إمكانية حدوث ذلك‎.‎
لقد ذكرتني في خطابك ليوم 18 أوت وقدمتني كشخص لا يمكن أن يشتبه في كونه "قبائليست"، أو في ‏كونه"محبا" للقبائل. أنك محقٌّ في النقطة الأولى لأني لن أقبل أبداً بتقسيم بلادي كما أنني لا أؤمن ‏بوجود رغبة انفصالية لدى الأغلبية في منطقة القبائل، لكنك مخطئ بالنسبة للنقطة الثانية لأنني ‏أحب القبائل بنفس قدر ما أحب جميع الجزائريين الذين يعيشون على كل متر مربع من التراب ‏الوطني‎.‎
في الواقع أنت أشرت إليّ لأنّي ربطت في مقالي الأخير بين اغتيال الشاب جمال بن سماعيل والحركة التي ‏تقودها، استناداً إلى اعترافات بعض المشتبه بهم الذين ادّعوا الانتماء إليها. تأثري بهذه الجريمة كان ‏عميقاً شأني في ذلك شأن جميع الجزائريين الآخرين وقد خصصت لها أربع مقالات متتالية، ولا زلت ‏أنتظر النتائج الرسمية للتحقيقات حتى أواصل الكتابة بشأنها، حيث أنّ الاغتيال الذي راح ضحيته ‏هذا الشاب في جوّ من الطقوس الهمجية قد غيّر في الجزائر شيئًا ما، وأّنت معنيٌ بالأمر نظراً للخطاب ‏الذي طوّرته خلال العشريات الماضية والذي لعب دوراً معتبراً في ذلك‎.‎
إنّي لست هيئة قضائية أو إدارية أو سياسية حتى أوجّه الاتهامات أو لأحكم على أيّ شخص كان، بل أنا ‏مثقفٌ حرٌ ومستقل يقدّم للجزائريين منذ 1970 تحليلات يهدف من خلالها إنارة الحياة الوطنية، ‏ويُولي فيها بالغ الاهتمام للموضوعية والجدية والتأكد من صحة معطياتها.‏
إذا كنتُ انتقد السلطة وأولئك الذين يتقلدونها دون هوادة، فإنني بالمقابل أحترم الدولة وأدافع عنها، ‏في بعض الأحيان ضد من يعتلي أعلى مناصبها، عندما يحسبون مثلاً بأنهم يشيدون جزائر "جديدة" ‏وهم يبنونها على أساس 4٪ من أصوات الناخبين. فذلك لا يمكنه أن يُنتج إلا دولة "ربعه دورو" لن ‏تذهب بعيدا‎.‎
إنّي ألوم هذه الدولة على المخاطرة بتضييع منطقة القبائل أكثر مما ألوم عليه منظمتك. فهم قاموا ‏بالفعل بإقصائها من الاستشارات الانتخابية والمؤسسات الممثلة للأمة، في حين أن "الماك" ‏‎(MAK)‎‏ ‏لم يغيّر قبل وقوع محرقة الغضب الأخيرة حجراً من مكانه‎.‎
مشروعك غير قابل للتحقيق لأنه مرفوض من قبل منطقة القبائل وجميع المناطق الأخرى. لن ‏يمكنك اقتلاع منطقة القبائل من بقية الجزائر وأخذها إلى مكان آخر، ولا استيطانها بسكان يأتون من ‏خارجها، ولا أيضا العيش بين من بحيطون بها دون الانتماء إليهم.
في الواقع لا توجد منطقة هي ملكيّة ‏سكانها، فالأرض الجزائرية هي ملك لله أولاً، ثم ملك لشهداء الثورة ومن بينهم والدك رحمة الله ‏عليهم، وأخيراً هي ملك للتراث المشترك والجماعي.‏
لم يحدث أبدا طوال تاريخ الجزائر الصاخب أن حاول محتلٌّ ما فصلَ منطقة القبائل عن باقي البلاد ‏ليجعل منها كيانا منفصلاً: لا الفينيقيون ولا الرومان ولا العرب ولا العثمانيون ولا فرنسا.
لو كان ذلك ‏ممكناً خلال الألفي عام الماضية لتمكّن أحدُ هؤلاء من تحقيقه، وإن كان لم يحدث خلال ألفيّ عام فإنه ‏لن يحدث في الألفيتين القادمتين. الأمر ذاته ينطبق على غرداية التي تملك من عوامل الانفصال ‏والاستقلال أكثر من منطقة القبائل لكن لم يفكر أي ميزابي في يوم من الأيام في فصلها عن البلاد‎.‎
في رأيي الشخصي، إمكانية أن تصبح القبائل إمارةً أفغانية أوفر حظّا في الحدوث من أن تصبح في يوم ما ‏نسخة عن دولة إسرائيل، خاصة إذا ما ثبت أنك فعلاً على صلة بزيطوط الذي يبيع الأكاذيب في الليل ‏و هواتف "الثريا" في النهار، و يتنكّر في زي الإنساني الديمقراطي ريثما يحين وقت ارتدائه لثوب الملّا ‏الطالباني. فهو يحلم بصعود شارع فرانتز فانون على ظهر "طفطافة" صاخبة، يحيط به حشد من ‏‏"الأحرار" يتوجهون إلى وزارة الدفاع لتسليم مليون يورو لكل جنرال يوافق على التنحي، كما وعد بفعله‎.‎
لقد أخطأ المغرب عندما وضع مؤخراً القبائل والصحراء الغربية على كفتي ميزان، حتى لو كان ذلك قد ‏تمّ بمباركة ترامب قبيل رحيله متجاهلاً بذلك القانون الدولي، وإسرائيل منذ الأزل.
منذ إنشاء "الماك" قبل عشرين عامًا، هاتان هما الدولتان الوحيدتان اللّتان تهتمان بكم من أجل ‏مصلحتهما فقط وليس مصلحة منطقة القبائل المستقلة المستقبلية التي يعرف كلاهما أنها لن ترى ‏النور أبدًا. فإذا كانت الجيو-سياسة العالمية تقف ضد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، ‏فذلك راجعٌ لكون لا أحد يرغب في نشأة دولة سادسة في المغرب العربي، فما بالك بدولة سابعة‎ ...‎
إن هاتان الدولتين لا تؤمنان بأدنى فرصة لنجاح مشروعك لكنهما تستخدمانك لابتزاز الدبلوماسية ‏الجزائرية التي هي، للأسف، دبلوماسية الشعارات الرنانة و" المبادئ " والقضايا "المقدسة"، بينما ‏للمغرب وإسرائيل دبلوماسية الواقعية والمصالح والمكاسب‎.‎
دبلوماسية القضايا الفاشلة تعود بشكل كبير إلى الميول النفسية غير العقلانية التي أتحدث عنها منذ ‏السبعينيات، التي تشكّلُ الذهنية الجزائرية المنفردة التي تعرفها أنت بقدر ما أعرفها أنا والتي تتلخص ‏في هذا النوع من العبارات: "النيف والخسارة"، " الزلط والتفرعين"، "أنارز ولا نكنو"، "تغنّنانت ‏تخسارت"، "ما عندناش وميخصّناش"، "معزة ولو طارت"، "أعميلي عين واعميلو زوج ..." إلخ‎.‎
كيف وأنت تعرف كل هذا، وأنت تدرك وجود هذه القنابل النووية المختبئة في أعماق الجزائريين ‏العميقة، كيف اعتقدت بأنهم سيسمحون لك بأخذ منطقة القبائل كما لو كانت قطعة بيتزا أو جزءا من ‏لعبة "ليقو" يمكن فصله بكل سهولة‎.‎
يمكن لجيوش القوى العظمى في كوكب الأرض كله أن تتوجه دفعةً واحدة نحو بلادنا وتحتلها، وأن ‏تقضي على دولتها وتدوس على جيشها لكنها لن تفوز بمنطقة القبائل ولن تفصلها، كما لن تفلح في ‏جعلها "منطقة خضراء" يمكنكم أن تعيشوا فيها بسلام، منفصلين عن بقية الجزائريين.‏
في رأيي، من الأفضل لك التخلي عن هذا المشكل والسعي لتصفية أمورك مع بلادك القديمة، حتى ‏تتسنى لك رؤية منطقة القبائل العزيزة على قلبك مرة أخرى، وتتذوق مجددا متعة القيلولة تحت ‏شجرة تين وتتوسد برنوسك الملفوف، لتستريح أخيرًا وأنت الذي طالما ابتلتكُ الحياةٌ الجاحدةٌ ولا ‏تحصي الخيانات‎.‎
لقد توفي عبد القادر رحماني مؤسس "الأكاديمية البربرية" في عام 1967 وحيدًا وعاجزًا بمأوى ‏للشيخوخة في مكان ما من مدينة بواتييه ‏‎(Poitiers)‎، يتحسر ويعصر الحنين قلبه إلى القبائل كما كان ‏آدم يحنّ إلى الجنة الذي طُرد منها بسبب تفاحة‎ ‎حسب الرواية المسيحية‎.‎‏ إنّي لا أتمنى لك ذلك، لكنه ‏سيكون مصيرك إذا ما لم تأخذ بنصيحتي‎.‎
حظ سعيد!

من نفس القسم سيـاســة وأراء