كلمة الوزير الأول خلال افتتاح الملتقى الدولي حول الحد من مخاطر الزلازل

أشرف الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، اليوم السبت، على افتتاح الملتقى الدولي الموسوم تحت شعار “الحد من مخاطر الزلازل" الذي نظمته وزارة السكن.

وبالمناسبة، ألقى الوزير الأول كلمة، فليما يلي نصها الكامل:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

– السيدات والسادة أعضاء الحكومة،

– السيدات والسادة الوزراء ممثلي الدول الشقيقة والصديقة،

– السيدات والسادة أعضاء البرلمان،

– السيدات والسادة الولاة،

– السيدات والسادة الخبراء،

– السيدات والسادة إطارات الدولة،

– السيدات والسادة ممثلي وسائل الإعلام،

– الضيوف الكــــــرام.

السّلامُ عليكُم ورحمة الله تعالى وبركـاتُـــه.

وقال الوزير الأول:”يطيب لي في البداية أن أعبر عن سروري لمشاركتكم افتتاح هذا الملتقى الدولي الموسوم تحت شعار “الحد من مخاطر الزلازل: حوكمة واستشراف” المنظم تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، حيث أريد له أن يكون فضاء “علمي وتقييمي” لتبادل الخبرات وعرض آخر ما وصلت إليه البحوث العلمية والتقنيات الحديثة في مجال الحد من أخطار الزلازل، بمشاركة الخبراء والمختصين من داخل الوطن وخارجه.

وما لفت انتباهي عند الاطلاع على جدول أعمالكم غزارة المادة العلمية الممزوجة بالتجربة الميدانية، للحد من آثار الكوارث الطبيعية وتعزيز قدرات الصمود والوقاية اتجاهها، وذلك بإشراف من أساتذة متمرسين وخبراء ومختصين دوليين، نتشرف باستضافتهم بيننا، ولو أن من بينهم أبناء هذا الوطن المفدى اللذين برزوا على الصعيد الدولي و تميزوا في مجالات اختصاصهمّ، وهم اليوم بيننا قصد الإسهام في بلورة نظرة جديدة ومتجددة لسياسة الوقاية من المخاطر الكبرى في بلادنا، فأرحب بكم مرة أخرى والشكر موصول إلى القائمين على التنظيم وعلى رأسهم وزارة السكن والعمران والمدينة ووزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية،المشرفة على المندوبية الوطنية للمخاطر الكبرى والمديرية العامة للحماية المدنية، على جمعهم لثلة من خيرة الخبراء على المستوى الدولي لتنشيط هذا الملتقى على مدار يومين، وبإشراف من مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث “UNDRR”.

السيدات الفضليات، السادة الأفاضل،

يأتي هذا اللقاء بعد مرور 20 سنة على الزلزال المدمر الذي ضرب ولاية بومرداس يوم 21 ماي 2003،بلغت شدته 6.8 درجات على سلم رختر، والذي أدى إلى خسائر بشرية ومادية معتبرة، كالآتي:

– 2.286 وفاة، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته و 3.354 مصاب و1263 مفقود.

كما قدر الأثر الاقتصادي لهذه الكارثة آنذاك بملايين الدولارات. وللإشارة فإن الدولة تتكفل كلية بإصلاح آثار الكوارث ومحوها.

وتبلغ النفقات العمومية الموجهة للتصدي للكوارث وعلى رأسها الفيضانات والزلازل وحرائق الغابات، معدل 225 مليون دولار في السنة خلال السنوات 15 الأخيرة، يذهب ما نسبته 70% منها لإصلاح مخلفات الفيضانات.

وبالرغم من أن الفيضانات تعد على رأس قائمة الكوارث التي وقعت ببلادنا منذ سنة 1950، إلا أن الزلازل كانت الأكثر كلفة من الناحية الاقتصادية، حيث بلغت ما يقارب 10 مليار دولار، وكذا من حيث عدد الخسائر البشرية والمقدّرة بـ 6.771 وفاة رحمهم الله، مع تضرر حوالي 1,4 مليون شخص.

وليس ببعيد عنا، يتزامن هذا الملتقى ومرور 03 أشهر على الزلزال العنيف الذي ضرب الشقيقتان سوريا وتركيا، والذي خلف آلاف الضحايا،ندعوا الله بالرحمة لمن توفى منهم، وبالشفاء العاجل للمصابين.

السيدات الفضليات، السادة الأفاضل:

هذا التذكير بآثار كارثة الزلزال لا سيما على الأرواح والحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلدان، ليس إلا من باب إبراز أهمية موضوع هذا الملتقى ومسؤوليتنا جميعا ليس فقط في الرفع من مستوى الوعي وتعزيز سبل الوقاية لما قبل حدوث الكارثة، التي لا يمكن التنبؤ بها، بل للتأكيد على ضرورة وأهمية التحضير المسبق والمبني على أسس علمية للحد من آثار الكارثة بعد وقوعها.

وفي هذا الشأن، فإن الجزائر على غرار عديد البلدان كانت سباقة في وضع التدابير اللازمة لتحيين ترسانتها القانونية ووسائل التدخل بصورة تتماشى والتطور الذي تعرفه في شتى المجالات، لا سيما التوسع العمراني والنسيج الصناعي والتجاري وكذا المنشآت الكبرى التي تم تشييدها.

ففي هذا الشأن، وإدراكًا منها لعواقب الأخطار الزلزالية قامت الجزائر وبحزمٍ، بوضع تدابير وآليات للحدّ منها، عبر مخططات واستراتيجيات، تضمنها القانون رقم 04-20 الصادر في 25 ديسمبر 2004، والمتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث في إطار التنمية المستدامة،تتمحور أساساحول:

– تحسين فهم الخطر الزلزالي،

– إجبارية تطبيق أحكام النظام الجزائري المضاد للزلازل في كل عمليات البناء والأخذ بعين الاعتبار لإطار التهيئة العمرانية،

– تعزيز أنظمة المراقبة والإنذار المبكر وتعميم الدراسات وإدراجها في المناهج العلمية والدراسية وإشراك المجتمع المدني وكل الأطراف المعنية.

– اللجوء إلى استغلال التكنولوجيا الحديثةعلى غرار ما تم انجازه مؤخرا على مستوى مشروع “جامع الجزائر” الذي يبقى تجربة فريدة من نوعها في العالم في مجال النظام المضاد للزلازل، بالنسبة لهذا النوع من المشاريع الكبرى.

غير أن التجارب الميدانية والدروس المستخلصة من الكوارث التي ضربت عديد مناطق العالم خلال العشريتين الفائتتين، تفرض علينا مراجعة الاستراتيجية الحالية وتحسينها وتحيينها ضمن إطار”سينداي”(SENDAI)للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015-2030، للأمم المتحدة،والذي صادقت عليه بلادنا، وفق الأولويات التالية:

 الأولوية1:فهم مخاطر الكوارث.

 الأولوية2:تعزيز سبل إدارة مخاطر الكوارث من أجل تحسين التصدي لها.

 الأولوية3:الاسـتثمار في الحـد من مخاطر الكـوارث من أجل تعزيز القدرةعلى التحمل.

 الأولوية4: تحسـين مسـتوى الاسـتعداد مـن أجـل التصـدي للكـوارث بفعاليـة، و”إعادةالبناء على نحو أفضل” في مجال التعافي وإعادة التأهيل والإعمار.

وفي هذا الخصوص، تم الانتهاء من ورشة تحيينالإستراتيجية الوطنية لتسيير مخاطر الكوارث، والتي سيتم تنفيذها بعد صدور القانون الجديد الذي سيحل محل قانون سنة 2004، مع نصوصه التطبيقية خلال 2023، والذي يتزامن مع اليوم الدولي للحد من مخاطر الكوارث، الذي تعتمده الأمم المتحدة.

ترتكزهذه الاستراتيجية الجديدة بالأساس على الاعتماد على العنصر البشري المتدخل في هذا المجال وكفاءته المحققة، وكذا على وعي العنصر البشري المتأثر بالكارثة. كما تضع الآليات الضرورية لاستباق المخاطر والتخطيط لها والحدّ منها وتعزيز القدرة على مجابهتها من خلال الحوكمة والاستثمار بشكل أفضل مع بناء ذهنيات جديدة تعتمد على مفاهيم تسيير الأخطار وليس تسيير الكوارث.

وترتكز أهم التحسينات المدرجة في مشروع القانون الجديد على المحاور الرئيسية الآتية:

– التحديد الكمي للأهداف الاستراتيجية الكبرى لبلادنا في مجال الحد من آثار الكوارث، في إطار التنمية المستدامة.

– التوافق الكلي لمنظومتنا مع إطار سينداي واتفاق باريس COP- 21 للحد من آثار التغيرات المناخية.

– إدراج مخاطر جديدة لا سيما تلك المتعلقة بالتغيرات المناخية، مخاطر الأنترنت (cybernétique) والمخاطر البيوتقنية.

– تحديد آليات التمويل ومسؤوليات كل المتدخلين.

– تجسيد مفهوم “تسيير خطر الكارثة” بدلا “عن تسيير الكارثة”، ضمن بعد وقائي لا ينتظر حدوث الكارثة.

– تعزيز الجانب التوعوي والتحسيسي لفائدة المجتمع والمواطن وتكريس ثقافة التعامل مع المخاطر الكبرىوالكوارث الطبيعية.

كما سيتم العمل على توعية القطاع الخاص لإشراكه في العمل الجماعي والاستثمار في الحد من مخاطر الكوارث.

بالإضافة إلى ذلك، سيتم تعزيز هذه الاستراتيجية الوطنية الجديدة، بما يلي:

 تعميم الرقمنة في استغلال قاعدة البيانات الوطنية والمحلية المتعلقة بجرد الخسائر ومتابعة إصلاحها.

 توسيع مجال البحث للمراكز المتخصصة والجامعات والمعاهد وتعزيز تمويلها.

 توسيع قبل نهاية سنة 2023، شبكة الرصد الزلزالي لبلادناالتابعة لكل من مركزالبحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية والفيزياء الأرضية (CRAAG) والمركز الوطني للبحث المطبق في هندسة مقاومة الزلازل (البالغ عددها حاليا 570 نقطة رصد).

 استغلال المقدرات الوطنية في مجال النشاط الفضائي والذي عرف تطورا ملحوظا.

 إدماج تسيير مخاطر الكوارث في قانوني الولاية والبلدية قيد الاستكمال.

 إعادة النظر في سياسة التأمين على الكوارث الطبيعية والمخاطر الكبرى، قصد ضمان انخراط كبير في جهاز التأمين ضدآثار الكوارث الطبيعية،الذي تم استحداثه بموجب الأمر رقم03-12الـمؤرخ في26 أوت2003 ،والمتعلق بإلزامية التأمين على الكوارث الطبيعية وبتعويض الضحايا، تبلغ نسبة الاكتتاب في هذا التأمين حوالي 5%، بالرغم من إلزاميته.

السيدات الفضليات، السادة الأفاضل:

إن التزايد غير المسبوق والمقلق الذي يشهده العالم في الآونة الأخيرة من كوارث وظواهر قصوى من زلازل وفيضانات وإعصارات وحرائق وتصحر ومخاطر جيولوجية يتطلب المزيد من رفع التحديات وبذل المجهودات لاحتواء آثارها، والتي تمر حتما عبر الالتزام والمشاركة القوية للحكومات قصدخلق بيئة مواتية ترمي لخفض حالات الوفاةوالإصابات الناجمة وكذا الأضرار الاقتصادية والحد من الأضرار على المنشآتمع ضرورة تدعيم البلدان النامية في هذا السياق ضمن التعاون الدولي المستدام.

وفي هذا الصدد، تُـشيـد الجزائر من مقامها هذا وتُــنوّه بالتقدّم المحرز في هذا المجال على الصعيد العالمي وتقدّر وتثمن المجهودات المبذولة من طرف مكتب الأمم المتحدة للحدّ من مخاطر الكوارث في مرافقته الدائمة والمثالية للتكفل الأحسن لتسيير مخاطر الكوارث، وحرصها الدائم على مواصلة العمل الجماعي لبلوغ النتيجة المنشودة، كما تجدّد الجزائر تبنيها والتزامها بكل القرارات الأممية وتنفيذها تماشيًا مع محتوى أطر العمل العالمية ذات الصلة.

السيدات الفضليات، السادة الأفاضل:

تبقى الزلازل من دون شك، من أهمّ الكوارث الطبيعية، نظرًا لخصوصيتها، ما ينجم عن هذه الحركات من خسائر في الأرواح البشرية وتدمير للممتلكات والمنشآت والبنى التحتية وما يصاحب ذلك من انعكاسات على الكلفة الاقتصادية،و تبقى الجزائر واحدة من البلدان المعرّضة لخطر الزلازل، بحكم موقعها الجغرافي خاصة الشريط الشمالي للبلاد.

إن الجزائر بتنظيمها لهذا المؤتمر تؤكد علىالاهتمام الذي توليه لهذه المسألة المحورية وأن دورها يبقى بارزًا وفعالاً في المنطقة الإقليمية والجهوية والدولية لتقاسم خبرتها المكتسبة في تسيير أخطار الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى التي شهدتها بمرور السنين، وكذلك على مستوى الجاهزية للتدخل ما بعد الكارثة كما برهنت عليه مؤخرًا فرق الحماية المدنية التي شاركت بامتياز في عمليات الإنقاذ بعد زلزال تركيا وسوريا، وهذا بشهادة واعتراف دوليين وإشادة واسعة، ضف إلى ذلك موقف الجزائر الدائم والثابت لتقديم المساعدات إلى البلدان المتضررة بعد الكوارث و ذلك بفضل التعليمات والسياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.

السيداتالفضليات، السادة الأفاضل:

يبقى إيماننا راسخًا وعميقًا للمضي قُدمًا نحو تعزيز التعاون العربي-الإفريقي والدولي المتعدد الأطراف بإنشاء آليات عملياتية دائمة ومؤطرة والعمل بالتنسيق الدائم مع مكتب الأمم المتحدة للحدّ من الكوارث ضمن إطار شامل ومتناسق مع الآليات الأخرى المعنية، من أجل التنمية المستدامة وتغيّر المناخ مع تحديد وسائل التنفيذ بصفة واضحة وشفافة.

والجزائر كانت قد بادرت مؤخراعلى الصعيد القاري بإنشاء آلية افريقية للحماية من أخطار الكوارثمن أجل إحداث قوة مدنية قارية للتأهب للكوارث الطبيعية والاستجابة لها قصد ضمان تكفل فعلي وآني وتقديم الدعم الضروري للبلدان الإفريقية المتضررة.

كما سنعمل على تفعيل المركز العربي للوقاية من أخطار الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرىالمتواجد مقره بالجزائر، والتابع لجامعة الدول العربية،قصد الرفع من إسهامه في مجالات البحث العلمي المطبّق في الوقاية من أخطار الزلازل، وتبادل الخبرات بين الدول العربية، ونقل التكنولوجيات المتطورة عالميا للدول العربية وتطبيقها.

السيداتالفضليات، السادة الأفاضل:

إننا على يقين أن أعمالكم ستتوج بإصدار توصيات عملية وعلمية راقية من شأنها أن تسهم في إثراء النقاشات والتوقيع على مذكرات تفاهم للتعاون العلمي والفني ووضع خارطة طريق للتعاون متعدد الأطرافتحدد معالمها ضمن البيان الختامي، مع تشكيل تنظيم ملائم لمتابعة تنفيذه وتجسيده على أرض الواقع لنمضي سويًا ضمن مقاربة تشاركية ومدمجة.

هذا الملتقى الدولي التي يشهد اليوم ميلاد طبعته الأولى، سيتم تنظيمه بصفة دورية بالجزائر كمحطة سنوية للتقييم وتبادل الخبرات والتجارب، لرفع سقف التحدي عاليا بغية التعامل مع مخاطر الكوارث بمنطق علمي وبراغماتي.

في الختام، لا يسعني إلا أن أتمنى لكم التوفيق والنجاح في أشغالكم، ولضيوف الجزائر إقامة طيبة في بلدهم الثاني، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من نفس القسم - سيـاســة وأراء -